الأربعاء، 21 نوفمبر 2018

أُمُّ عبدالله وجع الشعب وترف الساسة في العراق . بقلم المبدع // سيد محمدالياسري


أُمُّ عبدالله وجع الشعب وترف الساسة في العراق
(من حكايات طريق الجنة )
بقلم سيدمحمدالياسري
قصة ، لكنها غصة ، لاتحتضنها الرواية ، بل دارت في مطارحات الزمان ، وعساجل المكان ، حتى سُميَّ شارع من شوارع المقبرة بشارع ( أم عبدالله ) الذي لم يكن بداية حكايتها بل هو المسير على مشاهد اوجاع الشعب العراقي .
قصة سأرويها لكم حكت عن نقيضين ، نعم ، نقيضان في العراق ، الوفاء ونقيضه الغدر ، الكرم ونقيضه اللئم ، الحب ونقيضه الكره ، الى مالا نهاية من اوجاع العراق الناتج من وله النقائض ، قصة بدأت من صديقي رياض حسين حين قال : هذا الشارع اسمه شارع ام عبدالله وسنمر من قربها وتراها . وفعلا مررنا وسلمنا وكان رد السلام جميل خلفه حزن عميق ، لم يكن حزن جائع او محتاج ، او لايوجد له اهل او مأوى فسكن المقابر ، صوت من خلفه تردد يجذب قصة الم يتوقد ، لا يستريح ابدا وليس له محطة ، حينها قررت العودة اليها بعد ان تخطيتها بمسافة لِأسألها : لماذا تسكنين المقبرة !؟
كانت مغبرة مشعثة ، الرمال تغطيها ، وكأنها تغتسل بالتراب ، كي يحكي لها قصة عبدالله او تسمع صوته وهي تعلق له على امتار من الشارع صورا باحجام مختلفة ، وهو طفل ، وهو شاب ، مراحل من عمر الورد الى عمر الورد لانه جاء وردة وذهب وردة ، فلم يصل لخريف من العمر بقدر ان حياته فصل ربيع .
عند عودتي عرفت اني عدت اليها ويظهر اعتادت ان يعود المارة ويطرحوها السؤال وهي تجيب بنفس الطريقة ، طريقة الام التي تفقد وليدها الوحيد ، كانت الدمعة اسرع من الكلمة ، وارتعاش الوجه الذي لم يشبعه تراب المقبرة بكاءا ليظهر مافي جوارحها ، كل شيء فيه مرسوم من وجع . 
بدأت تسرد تلك القصة ، على تكرارها مبعثرة ، لانها لاتعرف من اين تبدأ ، فكلما بدأت وجدت انها بداية مؤلمة لايمكن ان تتكلم معها والبكاء يخنقها ، وسأحاول ان ارتب اوجاع ام عبدالله التي هي نموذج لوجع الشعب العراقي الذي يتراقص عليه الساسة ويترفوا فيه :
فتاة حظيت باسرة كريمة ، وحظيت بزوج ، ككثير من العراقيين رحل عنها بصمت ، كما يرحل العراقيين الى مقابرهم ، باوجاع المرض والفقر والقتل والذبح ، والحروب ، وما لانهاية من الوجع الذي لاتسمعه اذن الساسة المترفة بالغناء والمتعة واللهو والميوعة ، رحل عنها زوجها ملتحف اوجاعه ، تاركها مع طفلٍ جميلٍ اسمه ( عبدالله ) راح الاب وظلت حكايته صامته كملايين العراقيين ، وبدأت تظلل عليه حياتها ، وهو ينظر لها على انها كل شيء ، شمسه الدافئة ، واسرته الحنونة ، ونبضه المبتل بغيث الحياة ، وكل شيء له في الدنيا : أُمّه .إلا في الحقيقة ، انه هو كل شيء لها ولاترى في الدنيا شيء سواه ، فهو قد كان الامل والحياة ، حين بدأ يناغي ، وحين تقبل يداه ، حين يتكلم حفظت له اول كلمة ، وحفرتها بذاكرتها ، ثم تلت المواقف والكلمات والجمل تحفر ذاكراتها او تحل محل ذكريات ومواقف انساها صوت عبدالله ، تسير ، وتسيرمعه السنين التي تحتضنه وهو يكبر،... ويكبر، ويكبر قلبها معه ، لم تكن اصباغه واقلامه وخربشة الصف الأول الا سعادتها المطلقة ، لقد اعطته كل شيء وكانت كل احاسيسها عبدالله ، حتى باتت السنين أيام بل تلاشت كلها ثواني وهو يكبر ويكون اول بمدرسته حتى يتفوق بالمتوسطة ، يا الله ما أجمله ! (كل الاوجاع انساها الفقر ، الموت ، الحروب ، الخوف ، وعبدالله معي) يتفوق وينجح الأول وتسعد به ، في كل هذه القصة ، عبدالله بلحظة ، بليلة تبرد بها احاسيس الرذيلة والغدر ، تقتل اشباح الساسة المترفة وبقايا الساسة المتجبرة ، من دون ذنب ، حلم أم عبدالله الحقيقي ، صوتها النابض بالحياة ، خوفها المرتب من البرد حتى لايصاب بالزكام ، من الحر كي لايرهق ، من الشمس كي لاتؤلم وجنتيه الناعمتين ، فجأة من دون انذار ، يذبح عبدالله ويترك في الشارع ، وهنا بدأت حكاية امه وخرجت من وجع العراقيين الصامت ، لتبدأ قصتها من حيث المكان الذين يرتاحوا ان يودع ساسة العراق شعبهم اليه ، المقابر .
اسكنته القبر ، وسكنت روحها معه منذ ان اخذتها اللحظة المقيتة التي اعلنها ساسة الترف ، سكنت معه في المقبرة ، الروح داخل القبر ، والجسد يتوسده ، لايستطيع قلبها ان يترك عبدالله ، منذ عام ٢٠٠٧ وام عبدالله معه ، يتوسد باطن الأرض وهي تأن معه ، في المقبرة ، اصبح الاموات اصدقائها، تحدثهم عن ابنها ، وهي تنام مع ابنها في جميع الفصول ، كان عبدالله في عمر الربيع ، وكانت ام عبدالله تسكن معه في المقبرة صيفا وخريفا وشتاء وربيعا ، ليمر الزمن ويعبر وتتحدث معه فهي تشمه ، وتضمه ، هي تراه لكن الساسة يروا انها تشم قبر وتضم حجر ، لايرون شيء من حنينها ولايرون شيء من عبدالله الا انه قتله الشعب لانه طائفي ، ولم يعترفوا ان عبدالله قتله الساسة كما قتل الملايين من قبله بحروب منظمة 
اليوم ام عبدالله ، تنام مع ابنها بالمقابر ، لاتكترث بصحتها وهي تلف على رجلها النايلون من ( العلاليك ) لان السكري اخذ يقضم اصابعها ، والسرطان يسري بوجع الجسم ، الا ان وجع عبدالله كان أوسع من كل المقابر ، وكل قبر يروي حكايته ان وجعه أوسع من كل المقابر ، هذا في العراق ، حين يكون الشعب ارخص شيء عند الساسة ، حين يكون ترفهم جاء من وجع الشعب .
مازالت ام عبدالله تسكن المقبرة ، ويخنقها البكاء ، لكنها مازالت ابنة العراق الحرة ، تتكأ على جرحها وتبتسم بدمعة الكريم للضيف وهي تكرم من يجيء لها على قبر ابنها وتسقي الماء ، وابريق الشاي لا زال يدفأ الانين فسواد القلب حالك حزنا والشاي لون الحياة المتعبة .. كرم الاصلة والوفاء حكاية ام عبدالله مع شجنها المنشود والم ابنها... 
عبدالله ... الذي كان حكاية لكل اوجاع العراق 
عبدالله ... وجع الأمهات فكم ام عبدالله تحكي لنا مقابر العراق ...
عبدالله ... بداية حكاية امه التي تحدت به ترف الساسة ، وأعلنت كلمتها ان الأموات يتكلمون ، ان كانت عادة الساسة اسكات الشعب بالموت هاهو عبدالله يتكلم ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق