الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

عيد الطالب ، وجع الهجرة . بقلم المبدع // سيدمحمد الياسري

عيد الطالب ، وجع الهجرة
بقلم سيدمحمد الياسري
بين التهدد والتنهد ، تنطلق فرحة ، وتختنق عبرة ، عيد نساه الزمن ، وافنته المحن ، ان تتندى فبجفاف ، وان تصقع فبشتاء طويل ، غير في ملامحه وكأن الربيع لم يخضر عوده ، ولا الراعي اوفى له بعهوده ، قبل أيام كان هو العيد في الخميس ، نهاية الاسبوع وكأنه لايريد ان ينتهي ، وكالمعتاد ، يتعلم في الخميس الانشاء ، من معاني تنفك لَبِنَةً به ويصطك باخرى البناء ، بين هذا الجم سألت التلاميذ : هل عندكم موضوع تكتبوه ؟
ثم قلت : قبل الاجابة يا اولادي سأخبركم ان اليوم ٢٣ / ١١ / ٢٠١٧ عيد الطالب ، ضياء المستقبل ونور الحاضر وامتداد الماضي ، الا اننا سنؤجل الاحتفال ليوم الثلاثاء القادم لان هذا الاسبوع اسبوع حزن فيه فقدنا حبيب قلوبنا الرسول صلى الله عليه واله وسلم والاثنين القادمة الامام الحسن عليه السلام لذا سنختار يوم الثلاثاء ونتكلم فيه ... والآن اجيبوا عن السؤال.
قام احدهم وقال نكتب عن الوطن .. وقال اخر نكتب عن المدرسة ، وبين الهدوء رفع يده ابن الموصل التلميذ : مهدي حسن محمد ، قال : يا استاذ هل نستطيع ان نكتب عن قصة هجرتنا ؟
أشرت اليه بالجلوس وانا اشيح بنظري عنه ، لما بدت فيه حسرة ، وكتبت على السبورة العنوان :
مررت بفرحة وسوف اسجلها ومررت بحزن وسأكتبه .. اكتب قصة عن حياتك .
وشرعت اشرح لهم اي قصة مع ابيك او اخيك ، وارسلت النظر الى ( مهدي حسن محمد) طفق يكتب بنهم ، وكأن الحياة لاتلملم صفحاته ولا اوراقه ولا قلمه ، ونسى انه بالصف ، وبينما انظر الى التلاميذ واتباع ذاك وانصح هذا ، ارمي بنظري على ابن الموصل وهو منقطع الانفاس ، تارة يغضب وطورا يحمر وبرهة يعرق واخرى يتنهد الصعداء ويلقي بحسرته على ورقة الدفتر ، وكأن الحياة صيغت بذلك الدفتر وألهمت له ينابيع الحياة من ذكرى ارض مسلوبة ، وغربة مشخوبة ، لايطأ القلب فيها الا تأوه ، ولا تلوح منها الروح الا الوجع ، شوارع مدينته وطفولته واهله ولهجته ، واصدقاءه ومدرسته ، احسست انه يتيم لانه فقد الموطن ، وان الدنيا كلها لاتعطيه عبق الموصل ، ولاحتى قبضة تراب منه، انتهى وجاء يخط برجليه والحزن يلويه في الممر ، والارتباك بادي عليه ، وقال : يا استاذ كتبت صفحتين . وسكت، وكأنها يقول وددت لو انهي كل صفحات دفتري ، فقلت له : وهل تستطيع ان تقرأه!؟ مثلما اعتدنا نقرأ الانشاء تلميذ بعد تلميذ !
انفجر
وتشقق ذلك الحجر
لم يعد مهدي صخر ، واخذ يجهش بالبكاء ، بعدها حضنته واخذ يبكي على كتفي ، باستمرار ، وتسقط تلك الدموع لتحكي حكايته ، وتسجل مسيرته من الموصل الى الناصرية ، من تلعفر الى الشطرة ، من حيه الصغير الى قرية ال صكبان ، من مدرسته المنهارة الى مدرسة الفلاح الابتدائية للبنين ، كي يبكي على وطن في حضن معلم لم يجد له عوض غير دمعة ، وصدر مهشم الاضلاع من دولة غيبت كل شيء للتعليم حتى عيد الطالب .
اليوم يوم تتويج ومهدي لمهدي يصغي ، والكراسي التي هجرت مهدي حسن محمد من شمع ، كما شمعة الاحتفال وطين الاصطناعي الذي كتبت اسمائهم وخريطة وطنهم فيه ، ستذوب الكراسي وستصنع الاجيال كرسي غيره ، احتفلوا به للتويج بعد استشهاد وانتظرته الاجيال بعيون باكية ، مع المهجرين اختنق الاحتفال ومع المهجرين سيرتفع الاحتفال لسمو الوجع وعذاب الروح.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏2‏ شخصان‏، و‏أشخاص يبتسمون‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق