الأربعاء، 31 مايو 2017

صراخ الكلب . بقلم المبدع // محمود مسعود

صراخ الكلب ........!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 كان يعمل بورشة لسبك المعادن خاصة بمعدن النحاس ، وذلك لتشكيلة وصنع نماذج تستخدم في صناعة النجف والموبيليات وأحيانا كثيرة التحف ، الورشة تقع في منطقة العطارين بالإسكندرية ، كان مهران يعمل بها بجد واهتمام ، انضم إليها في أوائل التسعينات عقب قضائه مدة التجنيد ، لقد كانت هذه الورشة هي جواز المرور بالنسبة له من اللحاق بطابور البطالة ، فهو يحمل درجة جامعية لم تشفع له بالالتحاق بالعمل الحكومي ولم يستسلم لهذه الرغبة الجامحة والتي ينتظرها كل خريج وللأسف يستسلم لأوهامه وينضم تلقائيا لمقهى العاطلين ، فكيف له وهو الخريج الجامعي أن يعمل في مهن دنيا بالنسبة لطموحه ، ويبدأ قطار العمر في السير بسرعات عالية ويجد نفسه في النهاية قد قبض الريح ، لم يكن فكر مهران قد انحدر لمثل هذه النوعية من البشر ، إنه كمكافح وعصامي رضي أن يعمل بهذه المهنة أكرم له من مد يده لمن حوله يستجدي المال ، كان الوقت في رمضان ، وطلبات الزبائن في الورشة لابد من الوفاء بها قبل حلول العيد بوقت كاف ، لذلك كان العمل يبدأ من السابعة صباحا وينتهي قرب السحور يوميا ،ولذا كان هو وزملائه في الورشة مقيمين بها إقامة شبه دائمة في هذا الشهر ، وكانت تدر عليه وعلي زملائه دخلا إضافيا تحت بند (( السهر )) كان ميمي هو مدير الورشة رجل موظف بشركة النحاس المصرية بالإسكندرية وتوجد بينه وبين صاحب الورشة صلة قرابة فهو خاله وقد توفي وأبنائه صغار في السن فتولي ميمي إدارتها ، وبالرغم من طيبته إلا أنه كان يفتقد فن التعامل مع الناس وكما يقولون بالعامية البلدي ( مدب ) إلا أنه طيب وكان كثيرا ما يفتخر وسط الأسطوات بأن لديه في الورشة خريج جامعي يعمل كصبي ، وتدور الأيام ، وقارب رمضان علي نهايته ، وقد خف ضغط العمل بالورشة ، كان الجو في غاية الهدوء في ذلك اليوم ، وعقب صلاة التراويح في المسجد الملاصق للورشة ، سمع صوت صراخ كلب ، كان يعوى وكأن أحد ما يضربه بقسوة ، جذب انتباه مهران هذا العواء المتواصل والذي بدأ عقب انتهاء صلاة التراويح مباشرة ، والصوت قادم من سطح الورشة وواضح جدا ، سأل مهران كيفية الوصول إلي سطح الورشة حيث أنه لا منفذ له من داخل الورشة نفسها ، فعرف أنه يوجد خلف الورشة مكان لإلقاء نفايات الورش المجاورة به ومن خلال تسلق هذه النفايات يمكنه أن يصل إلي سطح الورشة ، بالفعل توجه مهران إلي مكان المكب وشرع في الصعود إلي السطح وقبل أن يصل إليه انزلقت قدماه في فجوة عميقة ،وأثناء سقوطه حاول الإمساك بشيء ما ولكن لثقل جسده اصطدمت يده بقطعة من الصاج الملقي في المكب فقطعت الجلد الذي يعلو رسغه الأيسركسكين ماض يفصل الجلد عن اللحم وقد شاهد العروق وقد ظهرت بوضوح والدماء تنساب من يده بغزارة ، عاد أدراجه مسرعا إلي الورشة ، شاهده زميله أسامة فأسرع بإحضار قطعة قماش ولفها علي الجرح وأخذه وتوجه به إلي المستوصف القريب من الورشة ، شاهده الطبيب المتواجد به ، سأله عن السبب فاخبره بما حدث ، كان الطبيب شاكك أنه أي الجرح ناجم عن خناقة ما ، أقسم مهران بأن ما أخبره به هو الحقيقة ، بعد أن قام الطبيب بتطهير الجرح بمادة مطهرة كانت علي مهران مؤلمة جدا وحاول أن يجذب يده فأمره الطبيب بالتحمل من أجل مصلحته ، سأله مهران أن يقطب الجرح فأخبره الطبيب أنه إذا ما قطب الجرح ستظل يده بها انثناء و لا يستطيع فردها وسيشكل ذلك عجزا بها سيمنعه من إجادة العمل فيما بعد ، سأله أسامة وما الحل يادكتور ؟؟ ، قال : الحل أن تترك هكذا مع الغيار المستمر إلي أن يلتئم الجرح تلقائيا وتعود اليد إلي طبيعتها ، أدت هذه الإصابة لأن يمكث مهران في البيت وتلقي العلاج مدة طويلة ، وذات مرة وزملائه في الورشة في زيارته أخبره مصطفي زميله بأن الكلب الذي كان السبب فيما حدث له اتضح أنه مسروق وقد قام سارقه بربطه في مدخنة المسبك التي تعلو فرن الصهر ، ولما اشتدت درجة الحرارة علي الكلب كان يحاول فك الحبل المربوط به وهذا سر صريخه وعوائه المتواصل وقد تم التوصل إلي الفاعل وتوجيه اللوم له خاصة بعد تهدئة صاحب الكلب الذي كان ينوي إبلاغ الشرطة للقصاص من السارق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي / محمود مسعود ( قصة قصيرة ) 30/5/20177م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق