السبت، 18 أغسطس 2018

كلنا جنود . بقلم المبدع // جمعه عبد المنعم يونس

كلنا جنود 
............. قصة قصيرة 
كل مدينة أسافر اليها أحبها وأجد فيها ملاذى تصير جزا ً من ذكرياتى ..الحروب شريرة تقتل بدون رحمة ..تذهل عقولنا ويمزقنا الفراق والاحزان ..تبكى أعيننا ونحن نودع شهدائنا كل ساعة ..وترى أنكسارا فى النفوس والقلوب المشبعة بالجروح والأحزان ...كان لزاما على ّ أن أذهب الى بغداد كى أقدم واجب العزاء فى والد صديق لى والأوطان لها رجالها الذين يكونون وقودا لتلك الحروب التى تفرض عليها ..والحرب ليس فيها منتصرا ً ..المهم أن الوطن يظل صامدا أمام من يريدون النيل منه أى كانت الخسائر ..والحروب دائما تأكل الورود ..يوم شديد الحرارة من شهرآب كما هو المعتاد من كل عام ...صعدت إلى الباص من مدينة كربلاء متوجها إلى مدينة بغداد..قبل أن يتحرك الباص سمعت صوت السائق يصرخ ..
لاتوجد أماكن سيدى ..
قال له لا عليك سأقف ..
و صعد رجل عسكرى لم أكن أتبين رؤية رتبته العسكرية .. 
عندما أقترب منى ..
خلع عن رأسه الكاب العسكرى ..
أستند على أحد الكراسى .كان برتبة رائد أو كما أعتقدت أنا ..
بينما أنا أجلس على الكرسى أتململ شفقة عليه بعد مرور أقل من عشرة دقائق نهضت من مكانى ..
ذهبت إليه ..
تفضل سيدى أجلس مكانى 
نهرنى قائلا ًلا لا لا ..
أنا أرتضيت على نفسى ذلك ..
قلت إذا سنقف سويا ..!
وأنا ابتسم له وأترجاه أن يجلس مكانى ...
أنا شاب وأستطيع أن أتحمل ..
ولا يصح أن أجلس وأنت واقف ..هكذا تعلمت أن أقف للكبير ولا أجلس إلا إذا جلس الكبير ..فأرجوك 
ذهب على مضض وجلس مكانى وهو ينظر لى سعيدا ً مبتسما ً
جميل أن ترسم السعادة على وجوه من تقابلهم سواء تعرفهم أو لاتعرفهم 
وقفت أنا سعيدا ًفى منتصف الباص 
أخذت أتطلع إلى الأماكن من زجاج الباص 
والحر قاتل 
نهرنى الذى أقف بجانبه .!
لماذا وقفت له .؟
أبتعدت قليلا ًعنه ولم أرد.. بينما هو ينظر لى بوجه عابس 
قاربنا من بغداد الأن
دخل الباص الجراج العمومى فى منطقة العلاوى 
توقف الباص وسط أمواج من الجنود العائدين من الجبهة بعد قرار وقف إطلاق النار 
8 اغسطس 1988
الحقائب تلقى علينا من النوافذ 
وجنود يتسلقون الباص من النوافذ..أصبح التنفس مستحيلا ..لا أحد يستطيع النزول 
سمعت صوت صراخ رضيع (1)
وأمه تصرخ خائفة على رضيعها .هى أمامى برجلين ..تسللت حتى وصلت إليها .أخذت رضيعها ..ورفعته إلى أعلى حتى يتمكن من التنفس وسط الزجام الشديد والصراخ داخل وخارج الباص 
جعلت السيدة خلف منى .وأمرتها أن تمسك جيدا ًبقميصى ولا تتركه أبدا ً
رويدا ًرويدا ًوصلنا إلى الباب 
ياهول ما نرى أمواج كثيرة من الجنود ..كيف نعبر كل هذا البحر المتلاطم
الرضبع يصرخ وأمه تبكى 
وأنا غارق بالعرق والفكر 
نزلت إلى الأرض 
جعلت الرضيع أعلى كتفى الأيسر يصرخ 
وبالذراع الأيمن أشق ممرا ً كى تعبر منه ً
بعد جهد بالغ أخيرا ًخرجنا من هذا البحر المتلاطم 
وقفنا فى مكان هادىء قليلا . نلتقط انفاسنا .
جائنا شابان يتحرشان بى 
أش عندك وياها
صاحت السيدة فيهم أنت أيش عليك 
وفوجئنا برجل يضرب الشابين بالحزام العسكرى حتى أوسعهم ضربا ً وفروا من أمامه 
جائنا مستطلعا ًكيف حالكما الأن ؟
سيدى الضباط 
إى نعم 
نحن بخير ياسيدى 
وكيف أنت ؟
أنا كنت خلف السيدة مباشرة كى أحميها 
بعدما رأيتك تحاول أن تنقذها هى ورضيعها بمفردك 
جئت خلفكم 
عدل من زيه العسكرى ووقف على بعد خطوة مننا ووضع الكاب العسكرى فوق رأسه 
وأعطانى التحية العسكرية 
قائلا ً لى 
لقد صنعت عملا بطوليا اليوم شكرا لك . 
بينما أنا اؤدى التحية العسكرية 
أردد
كلنا جنود يافندم 
....................تمت .....................
بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
جمهورية مصر العربية 
اشارات 
(1) الى ذلك الرضيع الذى تجاور الأن عمره ثلاثون عاما ..ربما قد يكون الأن يرتدى الزى العسكرى يدافع الأن عن تراب العراق الغالى

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏سماء‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق