الاثنين، 31 يوليو 2017

قصة الموهوم . بقلم المبدع // :بن عمارة مصطفى خالد

قصة قصيرة بعنوان:(الموهوم)
لا تراه إلا و هو يسير في هندام يبدو عليه فضفاضا لنحوله الشديد،شاحب الوجه ذابل الملامح،فالمرض قد عصف بجسده عصفا و الحمى لبسته لباسا يلازمه منذ مدة غير يسيرة،و لكم طرق أبواب الأطباء يطلب العلاج و يسترحم البرء بدواء لداء أعياه و لقي منه ضرا و نصبا،و لكنه لم يجد بغيته عند هذا و ذاك فتملكه اليأس و أصابه غم متصل زاد إلى ما كان عليه،و أمه المسكينة تنظر إليه نظرة المهزوم المحزون لا تدري ما تفعل و لو شاءت لقدمت له حياتها يحيا بها غير مبخلة أو أتت له بالشفاء من أقاصي الأرض غير مقترة.كان وحيدها منطويا على نفسه غارق في وحدته لا يختلط بالناس إلا في مكان عمله عنوة و ما كان ليفعل ذلك لو ما كان مفروضا عليه فرضا،أقعده المرض أياما في داره لا يبرحها منتبذا في ركن قصي من الدار و قد غاب عن عمله أياما متواصلة،فعاده فئة من الزملاء و داروا حوله و هو لا ينظر إلا لتلك الحسناء التي دخلت بيته الكئيب الحزين فأحيته بعد مواته و أحيت به جسده العليل كما يحيي الودق الأرض الجدباء،و لم يكن ينبس ببنت شفة مبرق اللحظ جافي اللفظ،حتى انتابه الحياء من إطراقه و جموده ذاك في حضرة الحسن و الجمال و في حضرة زملاء كلفوا أنفسهم و زاروه مشفقين،فراح يجاهد لسانه على النطق و ما استطاع إلى ذلك سبيلا إذ أن صوته كان خافتا لا يمكن سماعه حتى للذي بجانبه،و لكم كانت دهشته كبيرة حين عرف أن هذه المليحة هي مديرة مكتبه الجديدة لصغر سنها و وداعة منظرها،فزاده ذلك إعجابا بها و لربما كان قد ضمر في فؤاده حبا و أخذت لها مكانة من نفسه،و لكم زادت دهشته حينما رآها تذرف الدمع حانية عليه تنم عن طيبة قلب و رهافة حس،فانتعش جسده انتعاشا و قرر أن يجاهد نفسه و مرضه و يذهب إلى عمله أو لتلك الساحرة غير مبطئ،فكان له ذاك إذ أنه غادر مضجعه و راح إلى مكتبه و حين دلف رأوه زملاؤه غير مصدقين مستغربين أشد الإستغراب،فكيف للذي كان منذ أيام دانيا من القبر يصير هذا الشاب الذي تدب فيه الحياة و النشاط،فرحبوا به ترحيبا حارا،يسأله هذا و يكلمه ذاك و لم يكن يحرر جوابا كعادته،و لم يكن يهتم لهم و لكل هذا الوابل من الأسئلة و الكلام،بل كان ينتظر متقدا على الجمر في أن تستدعيه رئيسة مكتبه لتزيل عنه ما تبقى من ذبول و تمحي ما عليه من آثار الحمى المتبقية،و ما هي إلى دقائق حتى استدعته إلى مكتبها بعد أن سمعت بمقدمه،فكانت سعادته لا يضاهيها سعادة و النور قد أخذ الطريق إلى وجهه و الشحوب قد بدأ ينجلي على محياه كضباب في أصباح الربيع،و قد لقي استلطافا و اهتماما غير مألوف بين الرئيس و مرؤوسه،فنشأت بذلك علاقة ود بينهما نشوء العود الرطب بغيث نافع و كللت بزواج،و راح ذلك الداء الوهم بلا رجعة و عرف حينها أن الحب و الألفة معجزة و أن الوحدة و الإنطواء داء ليس له دواء إلا في رفيق أو صاحب صادق صدوق.
بقلم الأستاذ:بن عمارة مصطفى خالد. تيارت/الجزائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق