الأربعاء، 30 مايو 2018

دراسة تحليلية عن نص ( كبرياء ) للشاعرة السورية مي عساف . بقلم المبدع // باسم عبد الكريم الفضلي


( بنية الوعي في الذات النسوية الانسانية / التمرد على السلطة الذكورية القاهرة )
دراسة تحليلية عن نص ( كبرياء ) للشاعرة السورية مي عساف
النص
*****
(كبرياء )

امرأة...
من عصر الحكايا
قادمة أنا ....

مررت على حدائق بابل
لملمت من سحرها وردا....
وأخذت تيها 
من كل الايائل ....
جالست الموناليزا
فتعلمت منها
كيف أجمع بين ابتسامة
الحزن ..ونظرة المتفائل

فحذار أيها الزمن المدجن 
في قصور عتاته....
لا تمتحن صبري...
فقد تعلمت كيف أعانق
ظلال المستحيل....
وكيف أبني تحت
اسواره ...كبريائي 
وكيف أحمي قيمي 
و الفضائل. ...

لو أنك اعتصرت كل أيامي 
لن تجد سوى انتماء لصرح 
ليس لك عليه سلطان...
ولست عليه بحاكم ..
نعم....هو عرش بلقيس
أجلس عليه صباحا....
وليلا يهديني
كل أنواع المكارم....

ألم يكن سنمار يوما
ذكيا إلى حد الغباء 
و ابدا...لم يتمخض
جبل الصوان
عن شجرة ياسمين
لأجل دمعة في عينين
مخذولتين في دنيا العجائب ....

مازلت أملأ كف القدر....
ومازلت جمرا 
يتمرد على رماده.....
عصية على الانحناء سأبقى 
أرتدي ثوبا تركه الطوفان
على ضفاف الفرات....
أحمل تاج عشتار
وأرقب ديموزى ينتظر
سنابل أمل تنمو
تحت قدمي عند اللقاء

الزبد..... أبدأ 
لايروي 
طائراً حراً... مهاجر
و لم تكن يوما
غير دونكيشوت ترفع
لواء الانتصار
على الريح...

الحياة.....شمس أمل ستبقى
مهما استقبلت جلادا....ظالم
او ودعت منافقا عابر.....

................
الدراسة 
*******
الانثى في الموروث الادبي العربي الذكوري لاتخرج عن جمالية جسدية مطواعة لرغبات سيدها الذكر ميدانها الخدر ، ومقياس فتنتها جهوزيتها الدائمة لاشباع نزوة رب وعلة وجودها الرجل ، بلا اعتراض على سلطه عليها ، او تململ من استعباده اياها ،ولكي تنعم برضاه ، يتوجب عليها طاعته، طاعةً عمياء ، والوعي في عُرفه محرم عليها تماما ، فهو سوسة تنخر قيود خضوعها المطلق لمشيئته ، وتفتح امامها افاق تحررها الانساني من شهوة امتلاكه لكيانها ، وتحكُّمه بوجودها ، كتابعة له مسلوبة الارادة ، ومازالت المرأة العربية الى اليوم تعيش هامشية الحياة في ظل هيمنة هذه الثقافة الذكورية على سائر مفاصل الحياة في المجتمعات العربية قاطبةً .
ممكن عد النص مما ينضوي تحت عنوان / الادب النسوي ، ولكون هذا العنوان مثار اختلاف كبير بين النقاد والمهتمين بموضوعة النوع الادبي ( تصنيفه / عدم تصنيفه ، وفق جنس الكاتب مؤنث / مذكر ) ، لذا سأتعاطى معه كنص يستمد تصنيفه من ثيمته لا من الخصوصية البايولوجية لكاتبته ،
عتبة العنوان ( كبرياء ) اشارة دالية لاتخرج مدلولاتها عن معنى الترفع 
عن دنئ الافعال او الحاجة الى عديمي المروءة ، فمن مدلولاتها :
الإباء ، الشموخ ، الاعتزاز بالنفس ، الشمم 
والاشارة تستدعي اضدادها المضمرة تحت معانيها الظاهرة ومنها :
المهانة ، الذل/ الاذلال ، الاتضاع ، الخضوع
وهو من العناوين الاختزالية ، اي التي تختزل معنى النص العام او النهائي
بأقل عدد من المفردات ، او بمفردة واحدة كما هو الحال مع هذا العنوان.
فهو يختزل مضمون النص الى جدلية تعارض ذات المرأة الانسانية مع قاهرها
اي الاباء / المهانة ، او الاعتزاز بالنفس / الاذلال ... الخ من التقابلات بين مدلولات
الكبرياء اعلاه واضدادها 
ولكن هذا التعارض ، لابد له من محفز او ( قادح ) لثورته الكاسرة لسياق بنية الوعي
الجمعي ، العتيدة الرسوخ في الفكر العربي الذكوري ، 
ما ان نلج عالم النص نكتشف ذلك المحفز / القادح في الاشارة ( قادمة ) الواردة في : 
( قادمة أنا ....) وحسبما يظهره تفكيكها التالي :
الاشارة قادمة : دالة اسمية مدلولها اللغوي موحٍ بدلالتين 
* المدلول اللغوي : اسم فاعل مؤنث من الفعل ( قدِمَ ) : رجع وعاد ، وهو فعل ظرفي مكاني يتعدى بحرف جر : قدم فلان من .. الى ... 
وهو يوحي بهاتين الدلالتين :
ــ ان هناك فعلاً مقابلاً ماقبلياً ،كان سبباً لذلك القدوم / الرجوع ( اي لولا اسبقية حصوله ، لإنتفت الحاجة للرجوع) ، هو إمّا الفعل المبني للمعلوم ( ذهب / ذهبت فلانةُ الى ... ) والفعل هنا تمَّ بإرادة الفاعلة ، او الفعل المبني للمجهول ( ذُهِبَ/ ذُهِبَ بها الى ... ) وهو فعل تم بإرادة الآخر/ على الضد من ارادة الفاعلة ، وهما متعكاسان اتجاهاً ، وكما يوضحه المخطط التالي :
ذهبتْ / ذُهب بها من الموضع أ الى الموضع ب ـــــــــــ ثم ــــــــــ رجعتْ من ب الى أ 
ــ ان فعل القدوم / الرجوع : فعل ارادي تم بقرار اختياري طوعي من قِبل فاعلته :
( قادمة أنا ....) 
فالشاعرة تؤكد ( بضميرها المنفصل / انا ) انها هي من قررت القدوم ، وقرارها هذا يمثل موقفاً رافضاً لإستمرارية أثر فعله المقابل عليها ( الغتْ ديمومته الحدثية ) . 
المقاربة الدلالية :
القرار/الموقف = وعي متحرر/ وهو المحفز/ القادح لثورة المرأة الانسانة على قاهرها ،كما ذكرته آنفاً . 
فمن اي مكان كان قدومها .. ومن الذي ذهب بها اليه ؟ بتفكيك قولها :
(من عصرالحكايا) 
ــ الاشارة عصر : دال ظرفي زماني ، معناه اللغوية : حقبة زمنية تمتد لقرون عديدة 
وبنيته الدلالية السياقية تمثل انزياحاً عن معناه اعلاه لتشيرالى مكزمان ماقبلي جرت فيه وقائع احداث نلك الحكايا .فكل حكاية لابد لها من مكان تجري فيه احداثها في زمن محدد 
والمقطع يتضمن ايحائين :
1ـ انها ( ذُهِبَ بها ) الى ذلك الظرف المكزماني لتكون بطلة تلك الحكايا ، فلايعقل انها هي من كتبتها ، بوجود تلك الفاصلة الزمنية بينهما ( عصر ) ، ومن ذهب بها الى هناك ، هو من كتب تلك الحكايا عنها ( الذكر) راسماً لها ابشع صور المهانة واستلاب معناها وقيمتها الانسانية / بإستدعاء حكايات الف ليلة وليلة و غيرها من التراث الشعبي العربي ، حيث انه تفنن برسم الصور المبتذلة لها ، وجعلها بطلة قصصه الجنسية ، فهي الخائنة ، الطيّعة الاستجابة لمغرياته ، العشيقة التي كل همها اشباع غريزته ... الخ 
2 ـ ان ذلك العصر، لمّا يزل مستمراً حتى اليوم ، بسلطته الذكورية المهيمنة على الذاكرة الجمعية ،

بذا توضحت دلالة الموقف الثوري ، موقف من رفضت البقاء حيث تُمتهن كرامتها ، وتُصادر انسانيتها ، مكزمان يبقيها حبيسة في مخدع ( فحل ) لامزيَّةَ له سوى انه وريث امجاد ( ذكر ) هيمن على حياتها , ومنعها امتلاك الوعي ... فوعيها سيطيح بتاجه وسلطته المؤسساتية الخاوية .
واذا ما استعرضنا صيرورة ذلك الموقف الثوري نجده يبدأ بتذكرها عمق رمزيتها الجمالية تاريخياً ( الحضارة البابلية الثانية )، جمالية لم ينعم بها عليها ( ذكر ) ، لانها عانقت سرها الوجودي :
( مررت على حدائق بابل
لملمت من سحرها وردا....
وأخذت تيها 
من كل الايائل ....)
ـ حدائق بابل : احالية خارجية / الجنائن المعلقة ـ الحضارة البابلية الثانية 
و تعلمتْ ن خلال انفتاحها على التراث الانساني ، انه ( اعني الجمال ) اضافة الى انه جسدي ظاهر ، فهو روحي معنوي كذلك ، كالتبسُّم وقت الحزن ، والثقة بأن الغد لابدَّة أن يحمل لها السعادة :
( جالست الموناليزا
فتعلمت منها
كيف أجمع بين ابتسامة
الحزن ..ونظرة المتفائل ) 
المسكوت عنه هنا : فشل السلطة الذكورية رغم نير الاحزان والشقاء الذي اثقلت به كاهل حياتها ، من ان تجعلها محبطة ، او أن تسلبها روح التفاؤل بالمستقبل .
ومن الموروت الديني ، تماهت مع معنى اخر للجمال / الجمال العقلي ، الذي رفع المرأة لمصاف الملوك ، وجعلها حرة في حضرة الانبياء : 
( نعم....هو عرش بلقيس
أجلس عليه صباحا....
وليلا يهديني
كل أنواع المكارم....)
والميثولوجيا الرافدينية ،رسمت لها اسمى معاني الجمال بطوفانها ،عشتارها ، تموزها :
( أرتدي ثوبا تركه الطوفان
على ضفاف الفرات....
أحمل تاج عشتار
وأرقب ديموزى ينتظر
سنابل أمل تنمو
تحت قدمي عند اللقاء )
ـ ارتداء الثوب ، الطوفان ، الفرات : اشارات الى النجاة من الغرق ومعاودة الحياة 
ـ تاج عشتار : إلهة الجمال والخصب والثمار والخضرة ، الام المقدسة واهبة الحياة ، والخلود ) :
ـ سنابل .. تنمو : اشارة الى منح وتجدد الحياة 
ـ ديموزي ( تموز ) : اشارة الى حبيبها الذي اختارته هي (عشتار) ، وعاقبته ( باستدعاء الاسطورة ) ، حيث نجد هنا قلب لواقع ( معاقبة الذكر للانثى ) الى ( معاقبة الانثى للذكر ) 
ـ تحت قدمي : اشارة احالية خارجية الى ( الجنة تحت اقدام الامهات )
بتجميع دلالات الاشارات اعلاه يتشكل معنى الجمال الدائم الذي يعجز الزمن عن محو ملامحه :
جمال الخَلق والعطاء ورفد الحياة بأسباب ديمومة عنفوانها ، يعجز الذكر وان ( تألّه / تموز ) عن احتوائه واخضاعه لسلطانه . 
بعد ان عرفت الشاعرة الثائرة المعنى الحقيقي لجمالية المرأة الانسانة ، راحت تعبّر عن قيمتها الوجودية بإرسالها عدة رسائل معناها الظاهر يوحي بآخر يسكت عنه :
ــ فهي بعد ان خبَرَتْ كيف سرق الذكر زمنها وأسره في قصور ( اشارة رمزية للسلطته ) بغيه ، تحذره من تماديه في عُتوِّه : 
( فحذار أيها الزمن المدجن 
في قصور عتاته....
لا تمتحن صبري...)
لأنها عرفت كيف تطوّع المحال ، وتشيد صرح كبريائها ، وتصون معناها في الحياة : 
( فقد تعلمت كيف أعانق
ظلال المستحيل....
وكيف أبني تحت
اسواره ...كبريائي 
وكيف أحمي قيمي 
و الفضائل. ...)
~ المسكوت عنه : ستفشل السلطة الذكورية ( رمزت الشاعرة اليها بالاشارة / قصور العتاة ) في مصادرة انسانيتها مرة اخرى ( كبريائي ) 
ــ ان امتلاكها تاج العقل الحر ، جعلها ابعد ما تكون عن هيمنة السلطة الذكورية على حياتها :
( لو أنك اعتصرت كل أيامي 
لن تجد سوى انتماء لصرح 
ليس لك عليه سلطان...
أجلس عليه صباحا....
ولستَ عليه بحاكم ..)
ــ شموخها وامتلاكها ارادة الرفض ، والروح الثائرة ، صيّرها عنيدة بوجة من يحاول امتهانها ، عنقائية البقاء :
( مازلت أملأ كف القدر....
ومازلت جمرا 
يتمرد على رماده.....
عصية على الانحناء سأبقى )
~ المسكوت عنه : قدرها الحقيقي هي من تصنعه ( املأ كف القدر ) ، وسيعجز عن الغاء وجودها ( جمراً بتمرد على رماده ) وسيخيب في حملها على الاستلام لمشيئته ( عصية على الانحناء ) ، هي من تصنع فدرها ، وليس ( الذكر ) 
ــ غدت مؤمنة بأن كل باغٍ مهزوم ، ويبقى امل الخلاص حياً ، مهما استمر الجور والطغيان : 
( الحياة.....شمس أمل ستبقى
مهما استقبلت جلادا....ظالم
او ودعت منافقا عابر.....)
~ المسكوت عنه : الجلاد ، الظالم و المنافق صفات عنت بها ( الذكر القاهر )
بعد ان عرفت الشاعرة معناها الانساني الثر الدلالات ، ووقعت على كنه قيمتها الوجودية في الحياة ، خارقةً حدود محرمات آيديولوجية المؤسسة الذكورية السلطوية ( السياسية ، الدينية و الجنسية ) كمايلي :
* السياسية : كما اشرنا اليه في قولها ( قصور عتاته ) و ( لن تجد سوى انتماء لصرح 
ليس لك عليه سلطان...) و ( لستَ عليه بحاكم ) و المقطع النصي الاخير 
* الدينية : في قولها ( هو عرش بلقيس ... الخ ) و ( احمل تاج عشتار ) 
* الجنسية : في (وليلا يهديني
كل أنواع المكارم.)
و ( وكيف أبني تحت
اسواره ...كبريائي 
وكيف أحمي قيمي 
و الفضائل. .)
راحت تفضح اكذوبة الذكر المتفوق ، وتبدد هالة سطوته القاهرة المهيمنة على سائر مفاصل حياتها ، فهو في أوج ادعائه الذكاء ، قتله غباؤه :
ألم يكن سنمار يوما
ذكيا إلى حد الغباء )
ـ سنمار : احالية خارجية / الامثال العربية ( جزاء سنمار )*
وهو في ادعائه الفروسية وتحقيقه الانتصارات البطولات على الاعداء ، انما كان كمن يروي عطش المنفي لوطنه رغوة الملح :
( الزبد..... أبدأ 
لايروي 
طائراً حراً... مهاجر )
فهو يقاتل ( طواحين الهواء ) ، ويحقق انتصارات في ميدان الاوهام : 
( و لم تكن يوما
غير دونكيشوت ترفع
لواء الانتصار
على الريح....) 
ـ دون كيشوت :احالية خارجية / الادب العالمي ** : فارس البطولات المتوهَّمة
وقد سبق ان مر بنا اشارتها لتموز ودلالتها ( وأرقب ديموزى ينتظر )
النص يستحق ان يصنف في خانة / الادب الثوري ، فهو ينتصر للمرأة الانسانة ، اسيرة ثقافة ذكورية عفا عليها الزمن ، وتخطتها الشعوب المتحضرة منذ ان عرفت ان الحياة يبنيها الانسان بنوعَيهِ المتساويين ( المرأة والرجل ) 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :
* مهندس يقال انه آرامي نبطي من سكان العراق الأصليين وينسب له بناء قصر الخورنق الشهير. يضرب به المثل "جزاء سنمار" حيث انه عند انتهائه من بناء القصر قال لصاحب القصر الذي هو الملك النعمان بن المنذر ان هناك آجرة لو زالت لسقط القصر كله، وأنه لا يعلم مكانها غيره، فما كان من صاحب القصر إلا أن ألقاه من أعلى القصر، كي لا يخبر أحدا عن تلك الآجرة
** دون كيشوت بطل رواية بنفس الاسم لسيرفانتس الاسباني : رجل يحلم انه سليل الفرسان ووريث بطولاتهم ، يترك منزله وعاداته وتقاليده ويشد الرحال كفارس شهم يبحث عن مغامرة تنتظره ، وأخذ يتجول عبر البلاد حاملًا درعًا قديمة ومرتديًا خوذة بالية مع حصانه الضعيف 
ــــــ / باسم عبد الكريم الفضلي ـ العراق 
28 / 5 / 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق