الاثنين، 28 مايو 2018

التشابه بين"محفوظ" و"باجين" شاهدان على العصر. بقلم المبدع // د // طـــارق رضـــوان


التشابه بين"محفوظ" و"باجين" شاهدان على العصر

بـقـلـم د/ طـــارق رضـــوان

لم يلتقيا قط، ولم يقرأ أحدهما عملًا للآخر، وإن كان الأول أطلع على الأدب الصيني الذي انتشر في العالم العربي منذ مطلع القرن العشرين، واستقبله جمهور القراء بترحيب كبير، بل أنه أثنى على الأدب والثقافة الصينية، وأبدى إعجابه بكتاب المحاورات الكونفشيوسية، ورواية "الجمل شيانغ تسه" للكاتب الشهير "لاو شه"، وأكد أن الرواية أعجبته كثيرًا وهي تتفق مع المجتمع العربي، ورغم ذلك تشابها في أشياء كثيرة حتى في الأعمال، وإن كان تشابهًا غير مقصود، فمن هما؟
هما اثنان، الأول الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، الذي عالج قضايا مجتمعه، ورصد المتغيرات داخل المجتمع في رحلته مع التاريخ، محدثا تأثيرا في نفوس الناس، ما جعله يستحق الحصول على جائزة نوبل في الآداب، أما الثاني، فهو الأديب الصيني لي ياو تانغ، الذي اشتهر لاحقا باسمه الأدبي "باجين"، أو "محفوظ الصين"، حيث يعتبره أبناء وطنه أحد أهم 3 أسماء أدبية لامعة على الساحة الأدبية المعاصرة في الصين، فدوما يأتي اسمه مع "لو شيون" و"لاو شه"، حيث كانت لهم دوي كبير في مجال الفن الروائي سواء داخل الصين أو خارجها، وكان قدر هذان الأدبيان العظيمان أن يكونا من رموز وطنهما وشاهدان على العصر، ويعبران على واقع مجتمع عاصره كلاهما، وعكسا التغيرات التي مرت بها مصر والصين خلال القرن الماضي، وكشفا للعالم قصة كفاح شعبين من أصحاب أقدم الحضارات على الأرض.
ولا يمكن تجاهل عدة تشابهات بين حياة الأديبين، فبغض النظر عن أن حياة "باجين" تعرضت لكثير من التقلبات والصراعات التي فرضتها عليه الظروف، وهو عكس ما كانت عليه حياة "محفوظ" التي كانت تتسم بالنظام والالتزام الشديد، لكن الأديبين كلاهما انتقل من قرن إلى قرن، محتفظا بمكانته الرفيعة نفسها، بسبب الموهبة الأصيلة والعمل الدؤوب، كما أنهما تشابها في ارتباطهما بالتحولات الفكرية في مجتمعيهما، التي تجسدت في معايشة ثورة القوميين والشيوعيين في الصين، والحركة الوطنية في الثلاثينات في مصر ثم ثورة يوليو 1952، فكان لتلك الأحداث الهامة أثرا كبيرا على تشكيل شخصية وفكر الأديبين، ومن ناحية أخرى تشابها حتى في الحياة المهنية، فمحفوظ انضم إلى مؤسسة الأهرام ليصبح واحدا من كتابها عام 1971، و"باجين" كان كاتبا لعمود صحفي في 1977.
اشتهر محفوظ بثلاثيته "بين القصرين، قصر الشوق، والسكرية"، التي لاقت رواجا كبيرا في مصر، وتحولت فيما بعد إلى عمل سينمائي، وكان "باجين" هو الأخر صاحب ثلاثية شهيرة عرفت باسم ثلاثية التيار الجارف "العائلة، الربيع، والخريف"، وهي تشبه ثلاثية محفوظ كثيرا.
شكلت التغيرات الفكرية التي طرأت على المجتمع، والأحداث التاريخية المتقاربة التي عايشها الأديبين ملامح شخصيتهما، وهو ما انعكس علي ما أظهره كلاهما في العمل الأشهر والأكثر تمييزا لكلاهما (الثلاثية).
أما التشابه في ثلاثيتهما، فكان يتمحور في أن كلا الأديبين كتب ثلاثيته كي يتحدث عن عالمه، ويظهر ما عايشه وما رآه في موطنه، فمحفوظ تحدث في ثلاثيته عن القاهرة بالتحديد حي الحسين الذي يعتبر مسرح الأحداث معبرا عن القاهرة إبان ثورة 1919، والتحول الاجتماعي والطبقي الذي استمر وصولا إلى ثورة يوليو، محققا ذلك بتتبع قصة حياة الشاب "كمال ابن السيد أحمد عبدالجواد" من الطفولة وحتى المراهقة والشباب، و"باجين" هو الآخر كتب الثلاثية للسبب نفسه، حتى يُظهر ما كانت تعيشه الصين قبل ثورة 1911، التي قامت على يد الزعيم الصيني العظيم الدكتور صن يات صن، حيث صور قبح المجتمع الإقطاعي الذي نبذه رغم من أنه كان منتميا إليه بحكم العائلة، لأن والده كان موظفا حكوميا إقطاعيا، لكنه عارض الفكر الإقطاعي، لأنه كان متأثرا بالفكر الديمقراطي الغربي، الذي رآه أثناء إقامته في فرنسا.
وسرد "باجين" في ثلاثيته، يجسد حياة أسرة يحكمها الجد الإقطاعي الأكبر، الذي كان الآمر الناهي في البيت، ولا يجرؤ أحدًا على مخالفة أوامره، وكان متحكما في أسرة كبيرة، إلى جانب خدم وفلاحين، وبذلك كانت هذه الشخصية تشبه شخصية "سي السيد" في ثلاثية محفوظ، وتبدأ الأحداث في التعقد والإثارة عندما يفرض أحد أبناء الأسرة هذا الوضع، فيدخل البيت في حالة الغليان، وصراع بين أفراد الأسرة، ولا يمكن أن نغفل وجود بعض الفروق البسيطة بين العملين بحكم اختلاف الفكر والثقافات.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏2‏ شخصان‏، و‏‏نص‏‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق