المعقول واللامعقول لأدبنا العربى
الوجودية والفكــر الغربى
بقلم د/ طارق رضوان جمعه (مصر)
من اشهر فلاسفة الوجودية الذين قدموا رؤيتهم عبر الأدب الغربى جان بول سارتر وغابرييل مارسيل . ومن أهم مقولاتهم أن الانسان لا وجود له دون حرية، وامتلاك ارادة الاختيار. وترفض الوجودية القواعد والقيم الاخلاقية الخارجية، أى تلك التى أوجدها المجتمع، ويصر على أن الانسان هو وحده يختار قيمه وأخلاقه داخل اطار حريته. مع العلم أنه لا يوجد تيار فلسفى واحد فهناك خلافات عميقة بين ممثلى الوجودية. وشاعت موضوعات الاقتراب، الياس، والتفكير بالموت لدى الوجوديين.
ولعل أفضل متحدث عن الأدب الوجودى هو (كولن ولسن) فى كتابيه ( اللامنتمى ) و(المعقول واللامعقول فى الأدب الحديث. واللامنتمى أو بطل رواية الوجودية هو شخصية مريضة الروح، يرى هذا العالم الحديث باعثا على الرعب والتهديد. هو انسان يميل الى الحرية والبطالة، يرفض التمييز بين الروح والجسد، يرفض الفكر الدينى والفلسفة، فهو يهتم فقط بالوجود والعدم.
تأثر الأدب السورى فى الخمسينيات والستينيات بمؤثرات الوجودية وذلك بسبب حركة الترجمة النشطه فى هذه الفترة
ولكن السؤال هل تناسب أفكار الوجودية مجتمعنا العربى الذى يحتاج لمن ينهض به؟ بالطبع هذه الأفكار لا تناسبنا فهى وليدة مجتمع عانى ويلات الحروب. فكيف للكاتب العربى أن يرفض العلم والصناعه ويمجد البطالة والعبث؟ كما أنه لا يعقل أن نركز على الفرد وننسى علاقته بالمجتمع ولأن الأدب هو صانع الروح الانسانية فلا يجب أن نسمح للعبث واللامعقول ان يسيطروا على أدبنا العربى. لأن هذه السيطرة ان حدثت ستؤدى الى مسخ شخصياتنا وامحاء كياننا . ألسنا مهددين اليوم عبر الغزو الثقافى العربى الصهيونى بتجريدنا من هويتنا كى نكون فريسة سهلة أمام الأخر؟!
وجدير بالذكر أن أدباء الوجودية لم يلزموا انفسهم بأفكارها على صعيد مجتمعهم، خاصة حين أحسوا أنه فى خطر، بدليل أن سارتر وكامو قد أنضموا الى المقاومة السرية ضد الاحتلال الألمانى لبلدهم، بالاضافة الى أن سارتر أنحرف عن معظم افكار الوجودية لينضم الى الماركسية.
وهنا أعقد مقارنة بسيطة بين شخصية (غريب) فى رواية ألبير كامو و (غريب) فى الفن القصصى مجموعة "صهيل الجواد البيض" لزكريا تامر
ولدى زكريا تامر نجد أن كل الشخصيات تبدو كانها بطل واحد رغم تعدد اسمائهم فهم لا يشكلون اختلاف فى الرؤى والاتجاهات الفكرية. فزكريا لم يهتم بتحديد اسم الشخصية مما يوحى بعموميتها فهى تكاد تشمل جيل بأكمله.
وكانت الوجودية هى طابع الخمسينيات والستينيات لدى معظم الكتاب السوريين مثل غادة السمان وجورج سالم. ولدى شخصيات قصص زكريا تامر يطغى الاحساس بالعبث وعدم المبالاة ففى قصة (القبو) نجد شاب عاطل عن العمل لديه احساس بانه تمثال من صخر صلد أملس مغروس وسط ضوضاء مجنونة. وفى قصة (الرجل الزنجى) نجد شاب يعانى من وحدة قاتلة ولديه احساس بالكأبة. وفى قصة (الأغنية الزرقاء الخشنة) نجد البطل فقير بلا عمل يحب الخمر والغناء وكذلك الحال فى رواية (الغريب) لكامو: "سيقول لى المشرفون على المدينة : ايها الغريب لابد أن تنجح فى الاجابة عن اسئلتنا حتى يتم قبولك فى مدينتنا
- ما اسمك؟
- - أنا بلا اسم
- - متى ولدت؟
- - لم أولد بعد
- - هل تحب العمل؟
- - لا أنا أحب كل الأشياء الا العمل
- - ما هى أحسن الفضائل؟
- - الكسل
- - ما هوايتك؟
- - التثاؤب
وهنا سيصافحوننى بحرارة قائلين: ادخل مدينتنا فانت مواطن مثالى"
هذا المقطع يقدم مفردات العبث الأساسية (الكسل، التثاؤب، رفض الموضوعات الاجتماعية). وهى أفكار مستهجنة فى تراثنا. بالاضافة الى ذلك نلاحظ قلب بعض المفاهيم فمثلا "اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا، واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا" قد أصبح لدى (غريب) زكريا تامر "اعمل ليومك فقط، وعش كما تشتهى). فالبطل عند زكريا تامر رافض للعمل، هارب من تعب المعمل والوجوه القاسية، هو بطل غير مبال بموت أقرب الناس اليه (أمه / أخته) فهو غريب فى أفكاره، يصدم بها مجتمعه. وهو عند كامو و عند زكريا تامر يستمتع بالحاضر ويرفض الماضى والمستقبل، لديه جمود عاطفى. فهو انسان ملحد.
مبدأ الحرية لدى الوجوديين فى حد ذاته لا ضرر فيه، لكن الضرر كله حين تكون الحرية خاصة بالفرد وحده بمعزل عن مجتمعه، أى حين تبتعد بالانسان عن احساس المسئولية تجاه الأخر

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق