الخميس، 1 يونيو 2017

البلطجي ...بقلم المبدع // محمود مسعود

البلطجي ...........!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 أبيض وهذا هو اسم شهرته ، ولد ألعوبان منذ صغره ، شب علي التبجح وقلة الأدب ، حار معه والده في تقويمه ، وكثيرا ماندم علي وجوده في حياته التي كان دائما ما ينغصها ، المشاكل تصطحبه أينما حل ، كان وصمة عار لأسرته وكانوا يحتسبون عند الله ما يسبب لهم من منغصات ، في كل طريق معوج كان يسير هذا الأبيض دون رادع من ضمير أو سوء مصير ،ولعل التربية المفرطة في التدليل وعدم قسوة الأب أو الأخوة عليه باعتبار أنه كان آخر العنقود ، كثيرا ما كان يخرج من المنزل ويظل بالأيام دون محاسبة حتي فلت عياره وأصبح التقويم دون جدوى ، كون الأبيض تشكيل انحرف في سلك الإجرام والبلطجة ، وقد قبض عليه أكثر من مرة في مشاجرات ودخل السجن بتهم متعددة وكانت أقسي مدة قضاها مسجونا ستة أشهر بتهمة حيازة سلاح أبيض ، وأصبح مسجلا لدي رجال الشرطة علي أنه بلطجي ، تدور الأيام وقد وضع والده وأهله أصابعهم العشر في الشق من كثرة الشكاوي التي تصب فوق رؤوسهم حتي أنهم برغم أنه أخيهم أصبحوا يكرهونه من سوء أفعاله ،وذات يوم قامت ثورة في جميع أرجاء الوطن ، وذلك انعكاسا لسوء الأحوال المعيشية وتردي الأوضاع ما عجل بانفجارها ، سادت حالة من الاضطراب الجميع ، الكل يهدف إلي تحقيق عدة مبادئ نادت بها الثورة ، وظل الصدام مع السلطات يتصاعد وكلما زاد الصدام ارتفعت أسقف المطالب ، في تلك الأثناء كان أبيض وجماعته في قمة نشاطهم ، البلد ساد فيها الانفلات الأمني ، واستدعي من قبل الأمن لتنفيذ عدة مطالب وقد أعطوه وجماعته الضوء الأخضر لممارسة أنشطتهم الإجرامية كيفما شاءوا ووقتما يريدون ، قتل ، خطف ، سرقة ، تخريب منشآت ، أصبح الأبيض أحد المخالب التي يستخدمها الأمن لفرض ما يراه من سيطرة علي الأوضاع في غياب تام من عناصره في كل أنحاء البلاد بلا استثناء ذات يوم قرر عاطف وهذا اسمه الحقيقي أن يسطو علي محل شهير لبيع الذهب يوجد في منطقة راقية قريبة من الحي الذي يسكنه، كانت الثورة في أوجها ، وازداد الصراع بين الثوار لدرجة وقوع العديد من الضحايا ، خرج أبيض بصحبة ثلاثة من أصدقائه وهم : كوجاك وسمي بذلك لأنه عمل فترة من حياته قبل الانحراف في محل للتصوير واسمه الحقيقي جلال ، أبو الروس وأطلق عليه هذا اللقب لاستخدامه رأسه في ضرب خصومه واسمه الحقيقي عنتر ، الأوزعة : وقد أطلق عليه هذا اللقب لقصر قامته واسمه الحقيقي ميمي ، خرج الثلاثة وهم كما يظهر في أفلام الكاوبوي الأمريكية منتفخي الأوداج ، يستعرضون عضلاتهم لمن يقابلهم بل زادوا علي ذلك بأنهم كانوا يغلقون أي شارع يتواجدون فيه بقوة السلاح ( ناري أو ابيض ) وصلوا إلي الشارع الذي يوجد به محال الذهب ، كانت كل الظروف مهيأة لتنفيذ مخططهم ، أغلقوا الشارع بالمتاريس التي يستخدمها الثوار لعدم السماح بمرور السيارات ،وتوجهوا إلي المحل المزمع سرقته ، وبحركة خبيرة مدربة استطاعوا أن يكسروا الأقفال ويقتحمونه ، دقائق قليلة مرت وقد انتقلت جميع المشغولات الذهبية للحقائب التي كانت يحملونها لهذا الغرض ، في تلك الأثناء كانت الشرطة تطارد الثوار في كل الشوارع حتي وصل الثوار إلي هذا الشارع أزالوا المتاريس ، وامتلأ الشارع بهم وكانوا في حالة الكر والفر لإرهاق قوي الأمن التي تطاردهم ، لم يحسب أبيض هو والذين معه لمثل هذا الموقف من حساب ، حاولوا الخروج وبالفعل تم لهم ذلك ، اندسوا وسط المتظاهرين وهم يحملون الحقائب ، حاولوا الهروب إلي الشوارع الجانبية ولكنها كانت مليئة برجال الأمن وسياراتهم ، وجدوا أحدي العمارات ، دخلوا فيها ، واختبئوا داخلها لحين هدوء الأوضاع ، ولكن ازدادت الأمور سوءا ، وبدأ تبادل لإطلاق النار بين المتظاهرين والشرطة ، وبدأ معه سقوط الضحايا ، انتابت أبيض ومن معه عصبية واضحة ، إنهم يريدون أن يخرجوا من هذا الشارع اللعين ومعهم ماسرقوه من مشغولات ذهبية ، ولكن كيف لهم ذلك والوضع ملتهب ،عمل أبيض فكره ، تولدت لديه فكرة شيطانية لا تنجم إلا عن مفكر ذو إجرام ، الشارع به سيارات إسعاف تنقل الجرحى والمصابين الذين يتساقطون بسبب إطلاق النار العشوائي ، توجه أبيض إلي إحدى هذه السيارات وقد هدد المسعفين الذين يعملون عليها وطلب منهم التوجه معه لحمل أحد المصابين في هذه العمارة وأشار لهم عليها ، تحت تهديد السلاح أذعن المسعفين له وصاحبوه إلي العمارة ، فور الوصول ، استقل أصدقاؤه سيارة الإسعاف ومعهم حقائب الذهب ، شقت سيارة الإسعاف جموع المتظاهرين وسط صريخها المستمر ، فكان المتظاهرون يفسحون لها الطريق ، المدهش في الأمر أن سيارة الإسعاف كانت تمر علي المرتكزات الأمنية دون أن يوقفها أحد وبمجرد سؤال سائقها يجيب أنه يحمل حالة مصابة فكان يسمح له بالمرور ، وهكذا تمكن الأبيض وشلته المجرمة من الهرب بالغنيمة التي حصلوا عليها عن طريق السرقة ، اتفق أبيض مع أصدقائه بضرورة إخفاء المسروقات لحين هدوء الأوضاع ومن ثم تقسيمها أو بيعها ، وعاد التشكيل العصابي لممارسة أعمال البلطجة والسلب والنهب في غياب أي مظاهر للأمن ، ذات يوم كان الأبيض يقوم بمعاينة أحد محلات الصرافة والتخطيط لسرقته ، فوجئ بدورية للجيش تقوم بتثبيته إلا أنه حاول الهرب فأطلقوا عليه النار وكان الوقت في منتصف الظهيرة ، وأصوات المتظاهرين تعلو وتقترب من المكان الذي يوجد به ، سقط قتيلا ، وبالبحث عن ذويه توصلت السلطات إليهم ، كانت موجة التعويضات في أوجها للضحايا من القتلى ، فجاء مندوب السلطات إلي والده يعزيه في الشهيد ، بالرغم من ارتياح أبيه ورضاه بقضاء الله وقصاصة إلا أن شعور الأبوة جارف ، انهار في بكاء متواصل ، ولما لا فهو أحد فلذات كبده بالرغم من جحوده وما سبب له من سوء سمعة بين الناس حتي الأهل ، لا يعرف ظروف مقتل ولده ولكن الصورة التي نقلت إليه أن ابنه مات شهيدا من شهداء الثورة ، ولسوف تقام له جنازة رسمية مع اللذين سقطوا ، ومد المندوب يده إلي أبو أبيض بمظروف ضخم يحتوي علي خمسين ألف جنيه كتعويض من الحكومة ، وذلك عقب التوقيع علي الأوراق التي يحملها المندوب والتي مختصرها عدم مطالبة أهل الضحية بأي مستحقات أخري ، نظر الوالد إلي الظرف وقد تهللت أساريره لأنه ما كان يوما يحلم بمسك هذا المبلغ وليس امتلاكه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي / محمود مسعود ( قصة قصيرة ) 1/6/20177م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق