المظاهرة .....!!!
ــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
كنت في باحة الكلية أول الأسبوع ، كانت الشلة تقف خلف مبني المكتبة الخاصة بكلية الآداب ، نتبادل الضحك والهزار ونستعيد المحاضرات التي سبقت هذا اليوم ، كان يوم غير عادي ، تلاحظ لنا ذلك من تحركات غير معهودة لطلاب المجمع النظري بالإسكندرية ، أصوات لجموع غفيرة تتردد علي مسامعنا ، مصدرها كلية الحقوق والتجارة المتلاصقتين داخل المجمع ، أخذنا ننظر لبعضنا البعض مستفسرين ما يدور ولكن أيا منا لم تكن لديه الإجابة الشافية ، ماذا يحدث ؟ رويدا رويدا بدأ الصوت يقترب أكثر فأكثر ، جاءنا صديقنا عمرو وهو يقول : ألحقوا ياجماعة هناك مظاهرات ضخمة للطلاب آتية نحو كليتنا ، سألته ولماذا هذه المظاهرات ياعمرو ؟؟ فأجاب : بسبب ضرب إسرائيل لتونس !! كانت هذه المرة الأولي لي أن أشهد مظاهرة ضخمة منذ أن كنت طفل حيث كانت مظاهرات عام ألف وتسعمائة وسبعة وسبعون حين انتفض الشعب المصري بسبب رفع أسعار بعض السلع أيام الرئيس السادات ، وفي الواقع تأثرت جدا حينما سمعت بخبر ضرب إسرائيل لتونس الدولة العربية الشقيقة ، واعتملت العاطفة بمشاعري ورأيت نفسي انخرط وسط جموع المتظاهرين وأردد الشعارات التي يرددونها ، خرجت المظاهرة من المجمع النظري في اتجاه شارع شامبليون ومنه إلي شارع سوتير الملاصق لمبني نادي الاتحاد السكندري، وأثناء سيرنا في تلك المظاهرة الحاشدة انشقت الأرض وظهرت سيارات مكافحة الشغب الخاصة بالشرطة وألقوا علينا قنابل مسيلة للدموع وذلك بعد أن طلبوا منا عبر مكبرات الصوت فض هذه المظاهرة والانصراف ولكنا رفضنا وأصررنا علي إكمال طريقنا نحو كلية الهندسة للتجمع في فنائها ، وكلما أطلقوا قنابلهم كلما زاد الإصرار لتكملة المسيرة حتى نهايتها ، دخلنا باحة كلية الهندسة ، وشاهدت كاميرات تسجل الحدث ، كان زميلي عبده الطالب بكلية العلوم مشارك معي في المظاهرة وكان أكثر حماسة مني وكنا نصنع دائرة كبيرة تتوسطها الزميلات من كليات مختلفة وما أثار انتباهي وقتها أن جميع الفتيات كن محجبات مايدل علي أنهن يتبعن إحدى الحركات الإسلامية وكنت أجهلها ، كان الهتاف الذي يجمع الكل علي ترديده (( أخرج منها ياساسون )) وهذا الساسون هو السفير الإسرائيلي في مصر وقتها ، احتدمت المظاهرة وشاهدت بأم عيني جنودا من الأمن المركزي يهبطون من سيارات كثيرة وهم بملابس مدنية ويندسون وسط الطلاب علي دفعات وكأنهم طلاب من كليات مختلفة تنضم إلي المظاهرة ، كان عبده يقف بجانبي وكنا نتماسك بالأيدي لإكمال الحلقة التي تتوسطها الفتيات كحماية لهن من أي تعرض للإيذاء ، فجأة همس في أذني شخص لا أعرفه قائلا بالحرف : أخبر إبراهيم يبلغ الجماعة بالانسحاب فورا لأن الموضوع سيكبر والقوات الخاصة بدأت في الانتشار ، ثم اختفي وسط جموع الطلبة ، يبدو أنني كنت أشبه شخصا ما يعرفه هذا الذي تحدث في أذني وقد اختلط عليه الأمر وقام بإبلاغي علي اعتبار أنني الشخص المقصود ، بحثت عن عبده ولم أجده فقد ترك يدي وتقدم نحو الكاميرا ليتصور وكأنه بطل قومي ، دخلت بين جموع الطلبة وأنا أعافر للوصول إلي صديقي عبده ، وبالفعل وصلت له وجذبته من قميصه فنظر إلي وقال : هل هناك شيء ؟؟ قلت له نعم ويجب أن نرحل من هنا بسرعة ، طلب مني الانتظار قليلا ، فقلت له لا وجذبته بشدة حتى أن القميص خرج من البنطلون من شدة الجذبة ، اضطررت أنا وعبده للمرور من أحد دهاليز الكلية ووصلنا إلي بابها الرئيس وخرجنا تحت سمع وبصر الأمن وقياداته المتراصون علي بوابة الكلية ، ومن هناك استقلينا تاكسي في اتجاه محطة مصر ، في اليوم التالي صدرت الأخبار بالقبض علي المحرضين علي تلك المظاهرة من الطلبة وإيداعهم رهن التحقيق خمسة عشرة يوما .
ــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
بقلمي / محمود مسعود ( قصة قصيرة ) 19/5/2017م
ــــــــــــــــــــــــــ
كنت في باحة الكلية أول الأسبوع ، كانت الشلة تقف خلف مبني المكتبة الخاصة بكلية الآداب ، نتبادل الضحك والهزار ونستعيد المحاضرات التي سبقت هذا اليوم ، كان يوم غير عادي ، تلاحظ لنا ذلك من تحركات غير معهودة لطلاب المجمع النظري بالإسكندرية ، أصوات لجموع غفيرة تتردد علي مسامعنا ، مصدرها كلية الحقوق والتجارة المتلاصقتين داخل المجمع ، أخذنا ننظر لبعضنا البعض مستفسرين ما يدور ولكن أيا منا لم تكن لديه الإجابة الشافية ، ماذا يحدث ؟ رويدا رويدا بدأ الصوت يقترب أكثر فأكثر ، جاءنا صديقنا عمرو وهو يقول : ألحقوا ياجماعة هناك مظاهرات ضخمة للطلاب آتية نحو كليتنا ، سألته ولماذا هذه المظاهرات ياعمرو ؟؟ فأجاب : بسبب ضرب إسرائيل لتونس !! كانت هذه المرة الأولي لي أن أشهد مظاهرة ضخمة منذ أن كنت طفل حيث كانت مظاهرات عام ألف وتسعمائة وسبعة وسبعون حين انتفض الشعب المصري بسبب رفع أسعار بعض السلع أيام الرئيس السادات ، وفي الواقع تأثرت جدا حينما سمعت بخبر ضرب إسرائيل لتونس الدولة العربية الشقيقة ، واعتملت العاطفة بمشاعري ورأيت نفسي انخرط وسط جموع المتظاهرين وأردد الشعارات التي يرددونها ، خرجت المظاهرة من المجمع النظري في اتجاه شارع شامبليون ومنه إلي شارع سوتير الملاصق لمبني نادي الاتحاد السكندري، وأثناء سيرنا في تلك المظاهرة الحاشدة انشقت الأرض وظهرت سيارات مكافحة الشغب الخاصة بالشرطة وألقوا علينا قنابل مسيلة للدموع وذلك بعد أن طلبوا منا عبر مكبرات الصوت فض هذه المظاهرة والانصراف ولكنا رفضنا وأصررنا علي إكمال طريقنا نحو كلية الهندسة للتجمع في فنائها ، وكلما أطلقوا قنابلهم كلما زاد الإصرار لتكملة المسيرة حتى نهايتها ، دخلنا باحة كلية الهندسة ، وشاهدت كاميرات تسجل الحدث ، كان زميلي عبده الطالب بكلية العلوم مشارك معي في المظاهرة وكان أكثر حماسة مني وكنا نصنع دائرة كبيرة تتوسطها الزميلات من كليات مختلفة وما أثار انتباهي وقتها أن جميع الفتيات كن محجبات مايدل علي أنهن يتبعن إحدى الحركات الإسلامية وكنت أجهلها ، كان الهتاف الذي يجمع الكل علي ترديده (( أخرج منها ياساسون )) وهذا الساسون هو السفير الإسرائيلي في مصر وقتها ، احتدمت المظاهرة وشاهدت بأم عيني جنودا من الأمن المركزي يهبطون من سيارات كثيرة وهم بملابس مدنية ويندسون وسط الطلاب علي دفعات وكأنهم طلاب من كليات مختلفة تنضم إلي المظاهرة ، كان عبده يقف بجانبي وكنا نتماسك بالأيدي لإكمال الحلقة التي تتوسطها الفتيات كحماية لهن من أي تعرض للإيذاء ، فجأة همس في أذني شخص لا أعرفه قائلا بالحرف : أخبر إبراهيم يبلغ الجماعة بالانسحاب فورا لأن الموضوع سيكبر والقوات الخاصة بدأت في الانتشار ، ثم اختفي وسط جموع الطلبة ، يبدو أنني كنت أشبه شخصا ما يعرفه هذا الذي تحدث في أذني وقد اختلط عليه الأمر وقام بإبلاغي علي اعتبار أنني الشخص المقصود ، بحثت عن عبده ولم أجده فقد ترك يدي وتقدم نحو الكاميرا ليتصور وكأنه بطل قومي ، دخلت بين جموع الطلبة وأنا أعافر للوصول إلي صديقي عبده ، وبالفعل وصلت له وجذبته من قميصه فنظر إلي وقال : هل هناك شيء ؟؟ قلت له نعم ويجب أن نرحل من هنا بسرعة ، طلب مني الانتظار قليلا ، فقلت له لا وجذبته بشدة حتى أن القميص خرج من البنطلون من شدة الجذبة ، اضطررت أنا وعبده للمرور من أحد دهاليز الكلية ووصلنا إلي بابها الرئيس وخرجنا تحت سمع وبصر الأمن وقياداته المتراصون علي بوابة الكلية ، ومن هناك استقلينا تاكسي في اتجاه محطة مصر ، في اليوم التالي صدرت الأخبار بالقبض علي المحرضين علي تلك المظاهرة من الطلبة وإيداعهم رهن التحقيق خمسة عشرة يوما .
ــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي / محمود مسعود ( قصة قصيرة ) 19/5/2017م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق