نداء قلبي .....!!
ــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
اليوم هو أول يوم لي بالكلية ، لم يكن لي هدف أسعي خلفه ، كانت اللوائح تنص علي أن يترك الطلاب الجدد مدة الشهر الأول من الالتحاق بالكلية للمرور علي أقسامها المختلفة لاختيار القسم الذي سيستقر به الطالب لنهاية دراساته الجامعية ، كنت مولعا باللغة الإنجليزية ، سألت عن قسم اللغة الإنجليزية ، فأخبروني بعض الطلبة أنه في الدور الرابع من المبني الرئيسي للكلية ، توجهت إليه وأنا كلي شغف بالالتحاق به ، علي مدخل القسم علقت ورقة مكتوبة باللغة العربية محتواها أنه للالتحاق بالقسم يشترط الحصول علي مجموع لا يقل عن خمسة وستون في المائة بالنسبة للغة الإنجليزية في الثانوية العامة ، أيضا ينبغي اجتياز اختبار للقدرات في اللغة وقد حدد الموعد يومين من بدء الدراسة الجامعية ، وعليه فأنا أمامي يومين بالتمام للاستعداد لدخول هذا الاختبار ، وكذلك فبالنسبة للنسبة المئوية فأنا والحمد لله مجتازها بأكثر من عشرة في المائة ، إذن الشروط تنطبق علي بلا مشاكل ،ما علمته أن الاختبار سيكون في المعلومات العامة وبعض قواعد اللغة الأساسية ، ولم يتطرق الموضوع إلي أكثر من ذلك ، أخذت في مذاكرة بعض الكلمات التي من الممكن الاستعانة بها في الاختبار ، دخلت قاعة الاختبار بعد مضي اليومين المحددان لإجراء اختبار القدرات ، وتسلمت ورقة إجابة وبعدها ورقة أسئلة ، نظرت إلي ورقة الأسئلة ولم أفهم منها شيئا ، حاولت شمال ويمين ولكن محاولاتي جميعها باءت بالفشل لسبب بسيط جدا ، الاختبارات كلها غير متشابهه، كل طالب له اختبار قائم بذاته ، ووجدت نفسي غارقا في متاهة لا خروج منها أبدا ، لقد فشلت في قراءة الأسئلة فكيف لي من الإجابة واتضح لي ساعتها أننا لم ندرس اللغة الانجليزية بينما ما درسناه مجرد قشور اللغة وليست اللغة نفسها ،خرجت من اللجنة ولا أعلم أي قسم ألتحق !! أثناء سيري في ردهات الكلية ، جذب انتباهي فتاة جميلة جدا ، تسير بخطى ثابتة ، وبدون ترتيب تقابلت عينانا ، وظللنا متسمرين في أماكننا ، ننظر كلانا لبعضنا البعض دون أن نتحدث ، وأنهت هي الموقف بابتسامة رقيقة عذبة جعلتني لا أشعر بالواقع ، فبادرتها بسؤال : الآنسة معنا في هذه الكلية ؟؟ أجابت بصوت رقيق ساحر لم أسمعه من قبل : نعم وإمعانا لتعلقي بها وددت عدم انتهاء الحديث فبادرت بالتعريف بنفسي : محمود شكري ، طالب بالفرقة الأولي ، ولا أدري أي قسم التحق ، في الواقع هنا يوجد ثلاثة عشرة قسم وأنا في حيرة من أمري أيهم أنتسب ؟؟ يبدو أن حديثي معها قد استلطفته وبدأت هي الأخرى بالتعريف بنفسها : هناء مجدي، وكما قلت بالضبط عن نفسك كذلك أنا ، قلت لها إذن اسمحي لي أن أكون دليلك في هذا الصرح الكبير الذي لا أعلم عنه شيئا دعينا نكتشفه سويا ، ضحكت ووافقت وظللنا أنا وهي نطوف بالمكان والأقسام غير محددين الهدف بالضبط ،إلي أن وصلنا إلي قسم الفلسفة ، كنا نسأل عن عدد الكتب المقررة في كل قسم وعن عدد المواد كذلك فكان قسم الفلسفة هو القسم الوحيد الذي تدرس فيه ثمان مواد لا يزيدون ولا يقلون إلي آخر فرقة دراسية ، بصراحة ارتحت نفسيا إلي هذا القسم بالرغم من عدم حبي للفلسفة أثناء الدراسة في المرحلة الثانوية ، أخبرتها بأني اخترت هذا القسم ، نظرت لي وقالت تصدق وأنا كمان ارتحت لهذا القسم فقلت لها إذن هيا إلي قسم شئون الطلبة لمليء الاستمارات الخاصة بالرغبات لنبدي رغباتنا بالالتحاق بهذا القسم وافقت وذهبنا ، كان قسم شئون الطلبة شديد الازدحام ،وكان ينبغي علي الطالب سحب استمارة الرغبات بعد الاطلاع علي البطاقة الشخصية الخاصة به ومن ثم الشروع في ملئها وبعد ذلك تسليمها باليد إلي وكيل شئون الطلاب بمكتبه المجاور لمكتب عميد الكلية في المبني الرئيس لها ، بعد جهد جهيد استطعت أن احصل علي استمارتين لي ولهناء بعد أن اطلعت موظفة شئون الطلبة علي بطاقتينا الشخصيتين، شرعنا أنا وهي في ملئهما ،بعد ذلك صعدنا أنا وهي إلي مكتب وكيل الكلية لشئون الطلاب وسلمناهما وانتهت عقبة الالتحاق بالقسم وبعد مرور الشهر بالضبط بدأ الانتظام في جميع أرجاء الكلية وبدأنا في الانتظام في تلقي المحاضرات ، كانت جلسة هناء بجواري في البنش الواقع في الصف الثالث من المدرج ، وبدأنا أنا وهي في التعرف بالعديد من الأصدقاء ، وصارت بيني وبينها صداقة متينة لم تنحرف إلي مسار آخر حتى هذه اللحظة ، كان أيمن صديقي والذي توطدت العلاقة بيني وبينه قد لاحظ اهتمامي الغير عادي بهناء وقد لاحظت منال أيضا ذلك بل أنها فاجأتني بسلوكي حينما تظهر هناء في أي وقت ومدي تعلقي بها ، سألتها : وهل سلوكي يتغير للأسوأ أم شيء آخر ، ضحكت منال وقالت : أنت حينما تشاهدها تتحول لمائة وثمانون درجة لدرجة أنك لا تشعر بنا ونحن معك بل أن تعابير وجهك تتحول ويصطبغ باللون الأحمر هذا ما لاحظته أنا شخصيا ، وقد يكون هناك أحد آخر قد لاحظ ما لاحظته أنا ، منال كانت إحدى الزميلات التي كنت أستريح لها بل أنها كانت مقربة جدا مني ولكني لم أكن أفكر فيها بأكثر من صديقة أو أخت بالرغم من جمالها الأخاذ إلا أني لم أفكر فيها بأكثر مما ذكرت ، نزلت علي كلمات أيمن ومنال كمن عثر علي كنز كان يبحث عنه طويلا وشعرت بشيء ما يتحرك في صدري ، ماهو ؟؟ لا أدري ، ولكني بدأت منذ ذلك الحديث أشعر بتحولات شعورية جارفة نحو هناء ، ذات يوم كنت متواجدا في كافيترية الكلية ، أشرب فنجان من النسكافيه ، وإذ بمنال أراها قادمة نحوي وهي تبتسم وتشير لي بكفها الرقيق علامة السلام ، أشرت إليها بأن تأتي وتجلس معي تشرب ماتريد ، فأتت وهي مبتسمة وقالت لي : الجميل جالس وحده ليه ؟؟ ابتسمت لها وأجبتها بأنني لم أجد أحد من الشلة ، وقد اشتقت لفنجان نسكافيه ، فجلست أحتسيه حتى ظهرت أنت وبصراحة جئت علي بالي !! فقالت متسائلة أنا جئت علي بالك ؟؟ خيرا ؟ فأجبتها : نعم ، لقد شغلت كلماتك معي بالأمس بالي كثيرا وقد أكد حديثك لي أيمن عبد الوهاب ، ومنذ أن وصلت المنزل لم يغمض لي جفنا ، أفكر فيما قلتماه لي ، ابتسمت منال حتي خرجت من فمها ضحكة لا أدري إن كانت ضحكة إعجاب بالموضوع أم سخرية منه ، فقلت لها : علام تضحكين ؟؟ أتسخرين مني ؟؟ فأجابت بتلقائية : يابني أنت عامل في نفسك كده ليه ؟؟ الموضوع سهل جدا !! بكل بساطة صارحها بما في قلبك تجاهها ، بلاش تعقد نفسك ، إحنا الآن في القرن الواحد والعشرين ، يعني أيام جدي وجدك انتهت ، أدخل في الموضوع مباشرة ، نظرت إليها وأنا في حيرة من أمري فسألتني : هو في إيه ؟؟ فقلت لها اسمعي منال أريد منك خدمة ولن أنساها لك ما حييت ، فقالت لي ماهي الخدمة وأنا علي استعداد أن أؤديها لك عن طيب خاطر ؟ فقلت لها بما أنكما آنستان والأنثى تعرف أسرار أمثالها ، فقاطعتني قائلة : هات م الآخر ، وعلي الرغم من أنني أشعر بطلبك لكنني أريد أن اسمعه منك بشكل كامل ، فقلت لها ، عليك أن تسأليها عن شعورها تجاهي وأظن أنها لن تنكر عنك شيء ، فقالت لي وهي تضحك عموما كنت متأكدة بأنك ستطلب مني هذا الطلب ، ماشي ياعم الروميو سأسألها ، فأكدت عليها بضرورة توخي الحذر والسرية ،وبدأ الطلاب في التوافد وكانت عيناي مثبتتان علي بوابة الكلية ، وقد خرجت مني آهة عندما شاهدتها تتهادي بعد ولوجها من البوابة في اتجاه مبني القسم ، وقفت وأنا لا اشعر وأخذت في منادتها وحينما انتبهت لصوتي التفتت تجاهي وهي تبتسم ، ياله من شعور لايوصف ، جذبتني منال من يدي وهي تصرخ ( إيه اللي بتعلمه ده يمجنون أقعد ) فقلت لها معذور ياناس مش قادر وجلست بعد أن وصلت هناء واتخذت مقعدها بجوار منال ، كانت أولي المحاضرات تبدأ في التاسعة صباحا وكانت هذه هي الفرصة التي يمكن لمنال استغلالها وتسأل هناء عن رأيها وشعورها تجاهي ، نظرت إلي منال واصطنعت موضوعا ما كحجة للابتعاد بعض الوقت لأتيح الفرصة لمنال ، غمزت بعيني لمنال كإشارة لبدء ما اتفقنا عليه فهزت رأسها بالموافقة ، فاستأذنت للذهاب إلي إحدى المكتبات المجاورة للكلية لشراء ملزمة ما ، انصرفت وتركت قلبي يرتجف من شدة الحب ،قابلني زميلنا عبد الحميد عند بوابة الكلية وسألني إلي أين ، تلعثمت ولم أجد ما أرد عليه به غير أنني تذرعت بحجة واهية بأنني ذاهب للمكتبة القريبة وسأعود علي الفور ، كان عبد الحميد من النوع الفضولي جدا فقال لي بما أنه مازال هناك وقت علي المحاضرة فلما لا أذهب معك ؟؟ لم أجبه ووجدته يلازمني ، وصلت إلي المكتبة ، سألني العامل هناك : أي خدمة يا أستاذ ؟؟ فلم أجب ، أعاد سؤاله لي فتدخل عبد الحميد وهو يوجه كلامه لي : إيه يابني ؟ ماترد علي الرجل !! نظرت له ولم أنبس ببنت شفة ، وفجأة رأيتني أسأل عن قلم رصاص ذو السن الرفيع مقاس سبعة من عشرة من المللي ، فرد الرجل : للأسف كان يوجد منه وانتهي ، فقلت له متشكر ثم عدت أدراجي في اتجاه الكلية وبصحبتي عبد الحميد السئيل ،عند بوابة الكلية استأذنت من عبد الحميد للذهاب إلي مبني كلية الحقوق لمقابلة زميل هناك أريده في موضوع ما وقبل أن يقول شيء ما باغته بأنني أريد هذا الشخص في موضوع مهم ولا ينبغي أن يكون معي أحد ، فقال لي مفهوم مفهوم ، تنفست الصعداء بعد أن استطعت التخلص من هذا الزميل الفضولي جدا حد الملل ،بعد أن تأكدت أن عبد الحميد توجه إلي مبني القسم ، توجهت مباشرة إلي الكافيتيريا ، هناك وجدت منال وهناء ومعهم مجموعة من الزملاء ، ألقيت بالتحية علي الجميع ، ونظرت في عيني منال وأنا استفسر بحركة راسي حتي لا يشعر أحد من الزملاء ، فحركت منال رأسها دليل أنها لم تفاتح هناء في شيء ، في الواقع تضايقت جدا ولكني لم أفصح عن ذلك وتعاملت مع الزملاء بصورة طبيعية جدا ، لحين الاستفسار من منال عما دار بينها وبين هناء في أقرب فرصة ، كانت المحاضرة عن فلسفة الجمال ، وكانت شيقة جدا ، اندمجنا جميعا مع الدكتورة التي تلقيها ، لدرجة أننا لم نقاطعها ولا مرة أثناء إلقائها من جمالها ، انتهت المحاضرة بعد ساعتين بالتمام والكمال ولم نشعر بالوقت فقد مر سريعا جدا ، ولم يكن عندنا محاضرات أخري ومعني هذا أننا سننصرف جميعا كل إلي وجهته ، أثناء خروجنا طلبت من منال أن تنتظرني فلم تمانع ، وقبل أن أنطق بكلمة بادرتني قائلة أنها لم تستطع مفاتحتها في الأمر لتوافد الزملاء والجلوس معهم في الكافيتيريا وعموما مازال هناك متسع من الوقت لفعل ذلك وما أن تخبرها وتعرف الرد ستسارع بأخباري فورا ، شكرتها وذهب كل منا في طريق ،
أنني لا أخشي من مصارحة هناء بالأمر ولكني أخشي إن صارحتها بمشاعري أن أفقدها للأبد كما يخيل لي دائما ، فقد بت لا أستغني عنها أصبحت شيئا مؤثرا في حياتي وشيئا جميلا ورقيقا بدا لي وسط عتمة الحياة وكآبتها ، بعد مرور أكثر من شهرين علي بدء الدراسة ، أصبحت لي شلتي التي لا غني لي أبدا عنها بل اتسعت شلتي لتشمل طلاب من أقسام أخري كالحضارة والإنثربولوجي والتاريخ والجغرافيا وكذلك قسمي علم الاجتماع وعلم النفس،ومع ذلك لم أجد من تستطع حل محل هناء في قلبي أو مشاعري !! لم يكن المحمول قد انتشر بعد وكان من يحمله هم علية القوم وأكابره كدليل علي الغناء والمكانة الاجتماعية ، كانت التليفونات الأرضية هي المنتشرة وكانت الوسيلة الوحيدة للتواصل بين فئات المجتمع المختلفة ، ومع ذلك لم يتبادر إلي ذهني الاتصال بها في يوم من الأيام خصوصا وقد علمت منها بالصدفة أنها من عائلة متزمتة جدا في مسألة التعارف بين الشباب والفتيات وأن تكون العلاقة دائما وأبدا علاقة زمالة وفي حدود الكلية فقط وفي أضيق الحدود ،جاءتني ذات يوم منال وهي مضطربة كثيرا وكنت ساعتها أستعد لدخول سيكشن اللغة الإنجليزية الخاص بفلسفة الحضارة والتي كانت مقررة علينا ، نادت علي قبل الولوج لمدرج السكشن ، توجهت إليها ، سألتها : ما الخطب ، أجابت وهي منزعجة : إنها هناء ، قلت في قلق : مابها ؟ قالت : والله لا أدري كيف أقولها ، قلت : قولي ماذا حدث لهناء ؟؟ فقالت : اليوم لم تحضر هناء ، قلت لعل المانع يكون خير ، فقالت لي : والله يامحمود أنا في غاية الأسف ، قلت لها مما تتأسفين ؟؟ فقالت : لن أستطيع أن أداري عليك أكثر من ذلك ، جذبتها من كتفها دون أن أشعر قائلا : تداري علي ماذا ؟ فقالت :موضوع خطوبة هناء ، شعرت بعد سماع العبارة الأخيرة ( خطوبة هناء ) بأن شخصا ما ضربني علي رأسي بعصا غليظة وقد دارت الدنيا من حولي وجف ريقي وكدت أن أسقط علي الأرض لولا أن تماسكت جيدا ، وأنا أردد بلا وعي : هناء اتخطبت !! مش معقول ، مش ممكن أبدا ، أنا لست مصدقا ، أرجوك يامنال قولي أنك تداعبينني ، أنك تهزري هزارا سمجا وصدقيني سأتقبله ، فقالت للأسف هذه هي الحقيقة والتي فوجئنا بها جميعا ولم أصارحك بها عموما ياصديقي هذه ليست نهاية الكون مازال الوقت والشباب معك وأي فتاة يسعدها الارتباط بك اهتم بكليتك فمن يدري لربما تكون هذه الواقعة دافعا لك لتجتهد وتكون أحد معيدي القسم ومن ثم دكتور به فيما بعد ، كان صوت منال كأنه يأتي من جب عميق ليس له قرار ويأتي كصدي صوت وما أدري بنفسي إلا وأنا في المنزل ممددا فوق سريري وحولي بعض الأصدقاء وعلمت فيما بعد أنني أصبت بانهيار عصبي استلزم مكوثي في البيت لأكثر من شهر ، بعد إفاقتي واستردادي لوعيي اتخذت عهدا مع نفسي أن أكون شيئا ما ولا ألتفت لنداء قلبي إلا بعد وقوفي علي أرض صلبة كما أوصتني الغالية (( منال )) .
ــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
بقلمي / محمود مسعود ( قصة قصيرة ) 20/5/2017م
ــــــــــــــــــــــــــ
اليوم هو أول يوم لي بالكلية ، لم يكن لي هدف أسعي خلفه ، كانت اللوائح تنص علي أن يترك الطلاب الجدد مدة الشهر الأول من الالتحاق بالكلية للمرور علي أقسامها المختلفة لاختيار القسم الذي سيستقر به الطالب لنهاية دراساته الجامعية ، كنت مولعا باللغة الإنجليزية ، سألت عن قسم اللغة الإنجليزية ، فأخبروني بعض الطلبة أنه في الدور الرابع من المبني الرئيسي للكلية ، توجهت إليه وأنا كلي شغف بالالتحاق به ، علي مدخل القسم علقت ورقة مكتوبة باللغة العربية محتواها أنه للالتحاق بالقسم يشترط الحصول علي مجموع لا يقل عن خمسة وستون في المائة بالنسبة للغة الإنجليزية في الثانوية العامة ، أيضا ينبغي اجتياز اختبار للقدرات في اللغة وقد حدد الموعد يومين من بدء الدراسة الجامعية ، وعليه فأنا أمامي يومين بالتمام للاستعداد لدخول هذا الاختبار ، وكذلك فبالنسبة للنسبة المئوية فأنا والحمد لله مجتازها بأكثر من عشرة في المائة ، إذن الشروط تنطبق علي بلا مشاكل ،ما علمته أن الاختبار سيكون في المعلومات العامة وبعض قواعد اللغة الأساسية ، ولم يتطرق الموضوع إلي أكثر من ذلك ، أخذت في مذاكرة بعض الكلمات التي من الممكن الاستعانة بها في الاختبار ، دخلت قاعة الاختبار بعد مضي اليومين المحددان لإجراء اختبار القدرات ، وتسلمت ورقة إجابة وبعدها ورقة أسئلة ، نظرت إلي ورقة الأسئلة ولم أفهم منها شيئا ، حاولت شمال ويمين ولكن محاولاتي جميعها باءت بالفشل لسبب بسيط جدا ، الاختبارات كلها غير متشابهه، كل طالب له اختبار قائم بذاته ، ووجدت نفسي غارقا في متاهة لا خروج منها أبدا ، لقد فشلت في قراءة الأسئلة فكيف لي من الإجابة واتضح لي ساعتها أننا لم ندرس اللغة الانجليزية بينما ما درسناه مجرد قشور اللغة وليست اللغة نفسها ،خرجت من اللجنة ولا أعلم أي قسم ألتحق !! أثناء سيري في ردهات الكلية ، جذب انتباهي فتاة جميلة جدا ، تسير بخطى ثابتة ، وبدون ترتيب تقابلت عينانا ، وظللنا متسمرين في أماكننا ، ننظر كلانا لبعضنا البعض دون أن نتحدث ، وأنهت هي الموقف بابتسامة رقيقة عذبة جعلتني لا أشعر بالواقع ، فبادرتها بسؤال : الآنسة معنا في هذه الكلية ؟؟ أجابت بصوت رقيق ساحر لم أسمعه من قبل : نعم وإمعانا لتعلقي بها وددت عدم انتهاء الحديث فبادرت بالتعريف بنفسي : محمود شكري ، طالب بالفرقة الأولي ، ولا أدري أي قسم التحق ، في الواقع هنا يوجد ثلاثة عشرة قسم وأنا في حيرة من أمري أيهم أنتسب ؟؟ يبدو أن حديثي معها قد استلطفته وبدأت هي الأخرى بالتعريف بنفسها : هناء مجدي، وكما قلت بالضبط عن نفسك كذلك أنا ، قلت لها إذن اسمحي لي أن أكون دليلك في هذا الصرح الكبير الذي لا أعلم عنه شيئا دعينا نكتشفه سويا ، ضحكت ووافقت وظللنا أنا وهي نطوف بالمكان والأقسام غير محددين الهدف بالضبط ،إلي أن وصلنا إلي قسم الفلسفة ، كنا نسأل عن عدد الكتب المقررة في كل قسم وعن عدد المواد كذلك فكان قسم الفلسفة هو القسم الوحيد الذي تدرس فيه ثمان مواد لا يزيدون ولا يقلون إلي آخر فرقة دراسية ، بصراحة ارتحت نفسيا إلي هذا القسم بالرغم من عدم حبي للفلسفة أثناء الدراسة في المرحلة الثانوية ، أخبرتها بأني اخترت هذا القسم ، نظرت لي وقالت تصدق وأنا كمان ارتحت لهذا القسم فقلت لها إذن هيا إلي قسم شئون الطلبة لمليء الاستمارات الخاصة بالرغبات لنبدي رغباتنا بالالتحاق بهذا القسم وافقت وذهبنا ، كان قسم شئون الطلبة شديد الازدحام ،وكان ينبغي علي الطالب سحب استمارة الرغبات بعد الاطلاع علي البطاقة الشخصية الخاصة به ومن ثم الشروع في ملئها وبعد ذلك تسليمها باليد إلي وكيل شئون الطلاب بمكتبه المجاور لمكتب عميد الكلية في المبني الرئيس لها ، بعد جهد جهيد استطعت أن احصل علي استمارتين لي ولهناء بعد أن اطلعت موظفة شئون الطلبة علي بطاقتينا الشخصيتين، شرعنا أنا وهي في ملئهما ،بعد ذلك صعدنا أنا وهي إلي مكتب وكيل الكلية لشئون الطلاب وسلمناهما وانتهت عقبة الالتحاق بالقسم وبعد مرور الشهر بالضبط بدأ الانتظام في جميع أرجاء الكلية وبدأنا في الانتظام في تلقي المحاضرات ، كانت جلسة هناء بجواري في البنش الواقع في الصف الثالث من المدرج ، وبدأنا أنا وهي في التعرف بالعديد من الأصدقاء ، وصارت بيني وبينها صداقة متينة لم تنحرف إلي مسار آخر حتى هذه اللحظة ، كان أيمن صديقي والذي توطدت العلاقة بيني وبينه قد لاحظ اهتمامي الغير عادي بهناء وقد لاحظت منال أيضا ذلك بل أنها فاجأتني بسلوكي حينما تظهر هناء في أي وقت ومدي تعلقي بها ، سألتها : وهل سلوكي يتغير للأسوأ أم شيء آخر ، ضحكت منال وقالت : أنت حينما تشاهدها تتحول لمائة وثمانون درجة لدرجة أنك لا تشعر بنا ونحن معك بل أن تعابير وجهك تتحول ويصطبغ باللون الأحمر هذا ما لاحظته أنا شخصيا ، وقد يكون هناك أحد آخر قد لاحظ ما لاحظته أنا ، منال كانت إحدى الزميلات التي كنت أستريح لها بل أنها كانت مقربة جدا مني ولكني لم أكن أفكر فيها بأكثر من صديقة أو أخت بالرغم من جمالها الأخاذ إلا أني لم أفكر فيها بأكثر مما ذكرت ، نزلت علي كلمات أيمن ومنال كمن عثر علي كنز كان يبحث عنه طويلا وشعرت بشيء ما يتحرك في صدري ، ماهو ؟؟ لا أدري ، ولكني بدأت منذ ذلك الحديث أشعر بتحولات شعورية جارفة نحو هناء ، ذات يوم كنت متواجدا في كافيترية الكلية ، أشرب فنجان من النسكافيه ، وإذ بمنال أراها قادمة نحوي وهي تبتسم وتشير لي بكفها الرقيق علامة السلام ، أشرت إليها بأن تأتي وتجلس معي تشرب ماتريد ، فأتت وهي مبتسمة وقالت لي : الجميل جالس وحده ليه ؟؟ ابتسمت لها وأجبتها بأنني لم أجد أحد من الشلة ، وقد اشتقت لفنجان نسكافيه ، فجلست أحتسيه حتى ظهرت أنت وبصراحة جئت علي بالي !! فقالت متسائلة أنا جئت علي بالك ؟؟ خيرا ؟ فأجبتها : نعم ، لقد شغلت كلماتك معي بالأمس بالي كثيرا وقد أكد حديثك لي أيمن عبد الوهاب ، ومنذ أن وصلت المنزل لم يغمض لي جفنا ، أفكر فيما قلتماه لي ، ابتسمت منال حتي خرجت من فمها ضحكة لا أدري إن كانت ضحكة إعجاب بالموضوع أم سخرية منه ، فقلت لها : علام تضحكين ؟؟ أتسخرين مني ؟؟ فأجابت بتلقائية : يابني أنت عامل في نفسك كده ليه ؟؟ الموضوع سهل جدا !! بكل بساطة صارحها بما في قلبك تجاهها ، بلاش تعقد نفسك ، إحنا الآن في القرن الواحد والعشرين ، يعني أيام جدي وجدك انتهت ، أدخل في الموضوع مباشرة ، نظرت إليها وأنا في حيرة من أمري فسألتني : هو في إيه ؟؟ فقلت لها اسمعي منال أريد منك خدمة ولن أنساها لك ما حييت ، فقالت لي ماهي الخدمة وأنا علي استعداد أن أؤديها لك عن طيب خاطر ؟ فقلت لها بما أنكما آنستان والأنثى تعرف أسرار أمثالها ، فقاطعتني قائلة : هات م الآخر ، وعلي الرغم من أنني أشعر بطلبك لكنني أريد أن اسمعه منك بشكل كامل ، فقلت لها ، عليك أن تسأليها عن شعورها تجاهي وأظن أنها لن تنكر عنك شيء ، فقالت لي وهي تضحك عموما كنت متأكدة بأنك ستطلب مني هذا الطلب ، ماشي ياعم الروميو سأسألها ، فأكدت عليها بضرورة توخي الحذر والسرية ،وبدأ الطلاب في التوافد وكانت عيناي مثبتتان علي بوابة الكلية ، وقد خرجت مني آهة عندما شاهدتها تتهادي بعد ولوجها من البوابة في اتجاه مبني القسم ، وقفت وأنا لا اشعر وأخذت في منادتها وحينما انتبهت لصوتي التفتت تجاهي وهي تبتسم ، ياله من شعور لايوصف ، جذبتني منال من يدي وهي تصرخ ( إيه اللي بتعلمه ده يمجنون أقعد ) فقلت لها معذور ياناس مش قادر وجلست بعد أن وصلت هناء واتخذت مقعدها بجوار منال ، كانت أولي المحاضرات تبدأ في التاسعة صباحا وكانت هذه هي الفرصة التي يمكن لمنال استغلالها وتسأل هناء عن رأيها وشعورها تجاهي ، نظرت إلي منال واصطنعت موضوعا ما كحجة للابتعاد بعض الوقت لأتيح الفرصة لمنال ، غمزت بعيني لمنال كإشارة لبدء ما اتفقنا عليه فهزت رأسها بالموافقة ، فاستأذنت للذهاب إلي إحدى المكتبات المجاورة للكلية لشراء ملزمة ما ، انصرفت وتركت قلبي يرتجف من شدة الحب ،قابلني زميلنا عبد الحميد عند بوابة الكلية وسألني إلي أين ، تلعثمت ولم أجد ما أرد عليه به غير أنني تذرعت بحجة واهية بأنني ذاهب للمكتبة القريبة وسأعود علي الفور ، كان عبد الحميد من النوع الفضولي جدا فقال لي بما أنه مازال هناك وقت علي المحاضرة فلما لا أذهب معك ؟؟ لم أجبه ووجدته يلازمني ، وصلت إلي المكتبة ، سألني العامل هناك : أي خدمة يا أستاذ ؟؟ فلم أجب ، أعاد سؤاله لي فتدخل عبد الحميد وهو يوجه كلامه لي : إيه يابني ؟ ماترد علي الرجل !! نظرت له ولم أنبس ببنت شفة ، وفجأة رأيتني أسأل عن قلم رصاص ذو السن الرفيع مقاس سبعة من عشرة من المللي ، فرد الرجل : للأسف كان يوجد منه وانتهي ، فقلت له متشكر ثم عدت أدراجي في اتجاه الكلية وبصحبتي عبد الحميد السئيل ،عند بوابة الكلية استأذنت من عبد الحميد للذهاب إلي مبني كلية الحقوق لمقابلة زميل هناك أريده في موضوع ما وقبل أن يقول شيء ما باغته بأنني أريد هذا الشخص في موضوع مهم ولا ينبغي أن يكون معي أحد ، فقال لي مفهوم مفهوم ، تنفست الصعداء بعد أن استطعت التخلص من هذا الزميل الفضولي جدا حد الملل ،بعد أن تأكدت أن عبد الحميد توجه إلي مبني القسم ، توجهت مباشرة إلي الكافيتيريا ، هناك وجدت منال وهناء ومعهم مجموعة من الزملاء ، ألقيت بالتحية علي الجميع ، ونظرت في عيني منال وأنا استفسر بحركة راسي حتي لا يشعر أحد من الزملاء ، فحركت منال رأسها دليل أنها لم تفاتح هناء في شيء ، في الواقع تضايقت جدا ولكني لم أفصح عن ذلك وتعاملت مع الزملاء بصورة طبيعية جدا ، لحين الاستفسار من منال عما دار بينها وبين هناء في أقرب فرصة ، كانت المحاضرة عن فلسفة الجمال ، وكانت شيقة جدا ، اندمجنا جميعا مع الدكتورة التي تلقيها ، لدرجة أننا لم نقاطعها ولا مرة أثناء إلقائها من جمالها ، انتهت المحاضرة بعد ساعتين بالتمام والكمال ولم نشعر بالوقت فقد مر سريعا جدا ، ولم يكن عندنا محاضرات أخري ومعني هذا أننا سننصرف جميعا كل إلي وجهته ، أثناء خروجنا طلبت من منال أن تنتظرني فلم تمانع ، وقبل أن أنطق بكلمة بادرتني قائلة أنها لم تستطع مفاتحتها في الأمر لتوافد الزملاء والجلوس معهم في الكافيتيريا وعموما مازال هناك متسع من الوقت لفعل ذلك وما أن تخبرها وتعرف الرد ستسارع بأخباري فورا ، شكرتها وذهب كل منا في طريق ،
أنني لا أخشي من مصارحة هناء بالأمر ولكني أخشي إن صارحتها بمشاعري أن أفقدها للأبد كما يخيل لي دائما ، فقد بت لا أستغني عنها أصبحت شيئا مؤثرا في حياتي وشيئا جميلا ورقيقا بدا لي وسط عتمة الحياة وكآبتها ، بعد مرور أكثر من شهرين علي بدء الدراسة ، أصبحت لي شلتي التي لا غني لي أبدا عنها بل اتسعت شلتي لتشمل طلاب من أقسام أخري كالحضارة والإنثربولوجي والتاريخ والجغرافيا وكذلك قسمي علم الاجتماع وعلم النفس،ومع ذلك لم أجد من تستطع حل محل هناء في قلبي أو مشاعري !! لم يكن المحمول قد انتشر بعد وكان من يحمله هم علية القوم وأكابره كدليل علي الغناء والمكانة الاجتماعية ، كانت التليفونات الأرضية هي المنتشرة وكانت الوسيلة الوحيدة للتواصل بين فئات المجتمع المختلفة ، ومع ذلك لم يتبادر إلي ذهني الاتصال بها في يوم من الأيام خصوصا وقد علمت منها بالصدفة أنها من عائلة متزمتة جدا في مسألة التعارف بين الشباب والفتيات وأن تكون العلاقة دائما وأبدا علاقة زمالة وفي حدود الكلية فقط وفي أضيق الحدود ،جاءتني ذات يوم منال وهي مضطربة كثيرا وكنت ساعتها أستعد لدخول سيكشن اللغة الإنجليزية الخاص بفلسفة الحضارة والتي كانت مقررة علينا ، نادت علي قبل الولوج لمدرج السكشن ، توجهت إليها ، سألتها : ما الخطب ، أجابت وهي منزعجة : إنها هناء ، قلت في قلق : مابها ؟ قالت : والله لا أدري كيف أقولها ، قلت : قولي ماذا حدث لهناء ؟؟ فقالت : اليوم لم تحضر هناء ، قلت لعل المانع يكون خير ، فقالت لي : والله يامحمود أنا في غاية الأسف ، قلت لها مما تتأسفين ؟؟ فقالت : لن أستطيع أن أداري عليك أكثر من ذلك ، جذبتها من كتفها دون أن أشعر قائلا : تداري علي ماذا ؟ فقالت :موضوع خطوبة هناء ، شعرت بعد سماع العبارة الأخيرة ( خطوبة هناء ) بأن شخصا ما ضربني علي رأسي بعصا غليظة وقد دارت الدنيا من حولي وجف ريقي وكدت أن أسقط علي الأرض لولا أن تماسكت جيدا ، وأنا أردد بلا وعي : هناء اتخطبت !! مش معقول ، مش ممكن أبدا ، أنا لست مصدقا ، أرجوك يامنال قولي أنك تداعبينني ، أنك تهزري هزارا سمجا وصدقيني سأتقبله ، فقالت للأسف هذه هي الحقيقة والتي فوجئنا بها جميعا ولم أصارحك بها عموما ياصديقي هذه ليست نهاية الكون مازال الوقت والشباب معك وأي فتاة يسعدها الارتباط بك اهتم بكليتك فمن يدري لربما تكون هذه الواقعة دافعا لك لتجتهد وتكون أحد معيدي القسم ومن ثم دكتور به فيما بعد ، كان صوت منال كأنه يأتي من جب عميق ليس له قرار ويأتي كصدي صوت وما أدري بنفسي إلا وأنا في المنزل ممددا فوق سريري وحولي بعض الأصدقاء وعلمت فيما بعد أنني أصبت بانهيار عصبي استلزم مكوثي في البيت لأكثر من شهر ، بعد إفاقتي واستردادي لوعيي اتخذت عهدا مع نفسي أن أكون شيئا ما ولا ألتفت لنداء قلبي إلا بعد وقوفي علي أرض صلبة كما أوصتني الغالية (( منال )) .
ــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي / محمود مسعود ( قصة قصيرة ) 20/5/2017م

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق