"المهرج" ودوره فى الأدب العربى و العالمى
بقلم د/ طــارق رضــوان (مصـــر)
الناقد المحب للعمل الأدبى المتميز هو من يريد أن يرد الجميل للكاتب الذي أمتعنا من خلال كتاباته. موضوعنا اليوم هو مقال شيق ليس بالكلية نقدا بقدر ما هو ابراز لدور المهرج ودوره فى الأدب العربى و العالمى وتصحيح لمفهوم المهرج فى العمل الأدبى، مرورا بأعمال أدبية عربية وأخرى عالمية. وقد يتبادر الى الذهن عند سماع لفظ "المهرج" أن دوره يقتصر فقط على نشر روح الدعابة وتخفيف المأساة بالعمل الأدبى. ففي المسرح القديم كان دور المهرج ثانويا به وغالبا ما يظهر فيه للإضحاك من أجل الإضحاك ولكن المهرج في المسرح الحديث اختلف دوره فيه لقد صار بطلا في كثير من المسرحيات المعاصرة. فقد أخذت في المسرح الحديث أبعادًا سياسية ونفسية واجتماعية.
وقديما فان المهرج يدخل ضمن مجموعة الممثلين الجوالة ممن ينسب لهم الفضل الأكبر فى حفظ فن المسرح من الضياع، ويرجع ذلك لحظر الكنيسة النشاط المسرحى قديما. فحمل هؤلاء الممثلون الجوالة فن المسرح على عاتقهم حتى أوصلوه الى أوروبا فى عصر النهضة. ثم ظهر المهرج فى مسرحيات موليير وشكسبير. ومن اعظم مهرجى هذا القرن شارلى شابلن الرائع الصامت، صاحب رسالة فنية تربوية واجتماعية فى قالب ترفيهى. وتستمد قوة شخصية المهرج فى العمل الأدبى من شدة قربه من الفقراء وعامة الناس، والدفاع عن مصالحهم، مثلما صور هذا شابلن والريحانى ومدبولى . فالمهرج يدافع عن طبقته الكادحة ويهاجم أعداؤه من الأغنياء ممن لا يستحقون النعمة التى يعيشون فيها. وأسس مدبولى نظرية المدبوليزم وهى تكرار عبارة أو بعض العبارات بأساليب متعددة. ، إنه المهرج المتطور المعاصر، بالمعنى العلمي والمحدد.
ويقبل الناس من المهرج - في أقواله وأفعاله- ما لا يقبلونه من غيره ، والشعوب التي لم تعرف المسرح قديما كالعرب كان المهرج هو البديل لهم عنه ،فهو يقوم بتأليف المواقف الطريفة ويمثلها وحده أو بالاشتراك مع غيره. وفي مسرح شكسبير في العصر الإليزابيثي نرى هذه الشخصية موجودة في كوميدياته وتراجيدياته وهي في كوميدياته تقوم بدور تهريجي ولكنها في تراجيدياته تقوم بتخفيف حدة المأساة بها من خلال نكات المهرج وتعليقاته الطريفة التي يحمل بعضها موقفا فكريا من الحياة كما نرى المهرج صديق الملك لير في مسرحية الملك لير. ولم تظهر شخصية المهرج فى اعمال موليير لأن شخصياته أساسا تمتلك نزعة التهريج كالبخيل والمدعي والمتحذلق.
وقد تأثر يوسف إدريس في مسرحية البهلوان بمسرحية المهرج ( أو المسامر) لجون أوزبورن فأسلوب بناء المسرحيتين متشابه ففيهما حدث درامي عن معاناة المهرج في حياته.
وفي المسرح العربي الحديث نرى شخصية المهرج عرضت به بأكثر من صورة: فنرى صورة المهرج كما كان فى العصر العباسى في مسرحية ( أبو دلامة مضحك الخليفة) لعلي أحمد باكثير وأيضا عرضت بشكل قريب من عرض شكسبير لها في تراجيدياته في تخفيفها لحدة المأساة كما نرى في مسرحية الساحر الذي قام بدور المهرج في مسرحية قمبيز لأحمد شوقي
وهناك مسرحيات عربية عرضت فيها شخصية المهرج على أنه مفكر ومعلق على الأحداث مثلما نرى شخصية المهرج في مسرحية عريس لبنت السلطان لمحفوظ عبد الرحمن وشخصية بهلول المهرج في مسرحية الرجل الذي يريد أن يضحك لوحيد حامد
وهناك مسرحيات عربية تم تصوير شخصية المهرج فيها مثلما نرى صورته في المسرح العالمي في العصر الحديث فهو شخص يعبر عن قلق الإنسان المعاصر من خلال عرض أزماته كما نرى في مسرحية البهلوان ليوسف إدريس
وأرى هناك تشابها بين هذه المسرحية ورواية أرض النفاق ليوسف السباعي ففي كلا العملين نرى الناس يعيشون بوجوه غير وجوههم الحقيقية ولكنهم لا يستطيعون أن يعبروا عن حقيقة ما بهم إلا حين يضعون مسكات تخفي حقيقة شخصياتهم تماما لكي لا يحاسبوا على ما يصدر عنهم -كما نرى في مسرحية البهلوان -أو أن يشربوا حبوبا تمكنهم من قول الصراحة ولو للحظات قليلة-كما نرى في رواية أرض النفاق -.
و بدراسة تطور شخصية المهرج لدى شكسبير نجد أن هناك أربع مسرحيات جوهرية وهم: تاجر البندقية, كما تريدها, الليلة الثانية عشرة والملك لير. وفي مسرحية تاجر البندقية يظهر كيف قدمها شكسبير للجمهور الإليزابيثي في شكلها التقليدي. ثم ينتقل إلى دراسة شخصية المهرج في مسرحية كما تريدها التي تمثل بداية التطور الجذري الذي أجراه شكسبير على هذة الشخصية ووظيفتها الدرامية. يلاحظ فيما بعد تطور شخصية المهرج فى أعمال شكسبير لتلعب دورا دراميا فى الفترة من 1597 الى 1606

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق