ساحرات الأدب العربى والعالمى
بقلـــم د. طــارق رضــوان جمعه (مصــر)
المرأة أنشودة رقيقة الكلمات جميلة اللحن.. فلنستمتع بروعتها ولنرددها ونحفرها على جبين الجمال.. ! المخلوق الذي خصه الحبيب بالتوصية حين قال رفقا بالقوارير.
عند كتابة هذا المقال وجدت صعوبة بالغة فى تجنب التحدث عما تعرضت له النساء من ظلم عبر التاريخ الاجتماعى والأدبى. وكان هذا مدخلا وتبريرا موضوع مقالى هذا وكانت الاجابة على سؤال القارىء "لماذا لعبت النساء دور الشر ودور الساحرات فى الأداب المختلفه؟"
ان انهيار المجتمع الأمومى والتى معها عكفت العقول الذكورية على ترسيخ خرافة أن المرأة مخلوق ناقص مقارنة بالذكر، وألصقت بها الشرور بدء من خروج أدم وحتى الأن لهو السبب فى اظهار النساء بهذا المظهر الشرير. فقد أتهمت بالسحر والشعوذة، وكانت تقام الحفلات لحرق واغراق الساحرات أو اعدامهن فى أوروبا وأمريكا حتى القرن الثامن عشر. لكن حديثا بدات مجاولات ناجحه لتقليل الفروقات بين الجنسين والغائها. اذ دعى هذا التوجه النساء الى التمسك بخصائصهن النسوية. وظهرت بالفعل أديبات بارزات امثال فرجينيا وولف وأجاثا كريستى وسيمون دى بوفوار. كم ظهر الأدب الأنثوى.
منذ مطلع الخمسينيات طغت على أدب أمريكا اللاتينية والأدب الألماني تقنية أدبية تدعى الواقعيّة السحريّة أو العجائبيّة والتي تتألف من كلمتين متناقضتين: الواقع والسحر، والتي لا يرسمها الكاتب بهدف إمتاع القارئ فحسب، وإنما للإيحاء بفكرة فلسفيّة أو وصف قدر الغرابة التي نجدها في عالمنا ونقلها بصورة تذهل القارئ وتربكه فيفقد القدرة على التمييز بين ما هو واقعيّ وخياليّ.
توظّف هذه التقنية عناصر خياليّة كقدرة الشخصيّة على تحريك الأجسام الساكنة أو استخدام القوى الخفية أو التحليق في الهواء والقيام بأمور عجائبية أخرى ومن ثم خلط التصوّرات والأوهام لتحقيق قدر كبير من الغرابة أو الرعب في سياق العمل الأدبيّ فتتحقق بذلك بنبرة الواقعيّة السحريّة في النص الأدبي
ومن الأسماء التي ارتبط ذكرها بذكر الواقعيّة السحرية: الروائي الكولومبي الشهير غارسيا ماركيز، والتي كانت الواقعية السحرية خياره الفني في غالبية أعماله بل وكانت بالنسبة له كملك شخصيّ. وحين سُئِل عن إمكانية تصديق أحداث روايته “الحب في زمن الكوليرا” أجاب بأنّه على القارئ أن يدرك قدر السحر والخرافة في الرواية بقدر يوازي وجود الواقعية فيها فبذلك يضع بصمته الخاصة من الواقعية السحرية، وهكذا يقرّ ماركيز بأنه يجب الخلط بين المعقول واللامعقول في نفس العمل الأدبي لوجود ذلك في حياتنا.
كما ويبرز توظيف هذه التقنية في أعمال أخرى في الأدب العربي مثل: حكايات ألف ليلة وليلة، البساط السحري ومصباح علاء الدين.
وهكذا كان حال شاعرنا شكسبير، فقد عرف تمام المعرفة أن الخرافات القديمة كانت مواضع خلابة استعملها شعراء الإغريق والرومان في صوغ عبارتهم وتفسير معانيهم ودقائقهم. وإن من حسن الحظ أن شكسبير يحاول في بعض رواياته أن يظهر لقارئيه عقائده وآراءه الشخصية. فهو يعتقد في الخرافات، ولكنه يتساءل عن أصلها وكيفية ظهورها، فهو يقول على لسان الأمير هملت:
(هل من الممكن أن نحسب ذلك الشخص الذي يقضي أوقاته كلها في الأكل والنوم رجلا؟ كلا إنه لا يتعدى أن يكون حيوانا فقط).
إن من الصعب على الشاعر أن يستطيع البحث في موضوع سماوي بطريقة جدية ترتكز على تفكر وبحث عميقين دون أن يكون له أدنى اعتقاد في هذه الأمور التي يبحث فيها
ولا أخال أحداً طالع رواية مكبث ولا يذكر لأول وهلة قصة زرقاء اليمامة، فشكسبير قد ضمن هذه الرواية فكرة الغاب المتحرك، إذ حينما عبأ مكدوف جيشه العظيم منتقماً لوالده المغدور به، ومستعيدا ملكه المغتصب من مكبث القائد الطاغية العنيد، بعث مكبث من يستطلع أمر العدو، فاعتلى أحد جنده ربوة عالية تشرف على جيش عدوه. وبدلاً من أن يرى جيشاً لجباً، رأى غاباً كثيفاً يتحرك نحوه رويداً رويداً، فعاد الرسول وأخبر مولاه بما رأى، فأيقن مكبث أنه لا محالة هالك، إذ بذاك تتحقق نبوة الساحرات الثلاث اللاتي ظهرن له في أول عهده، وتنبأن له باعتلاء العرش، وأنه لن يلقى حتفه حتى يرى غاب برنام يتحرك نحو مقاطعة دنسنان وما كان غاب برنام الذي شاهده جندي الطليعة يتحرك إلا جيش مكدوف متستراً بأشجار اقتطعها وحمل كل جندي منهم شجرة يسير تحتها متخفياً ليتمكنوا بذلك من مفاجأة العدو، والإيقاع به على حين غرة، وهكذا أسفرت المعركة عن انهزام مكبث ولقاء حتفه على يد الابن الثائر.
وصاحب الأغاني يذكر كيف كانت زرقاء اليمامة ترى الجيش من مسير ثلاثين ميلا، وكيف أن قوماً آخرين غزوا قبيلتها، فلما قربوا من مسافة منظرها، قالوا (كيف لكم الوصول مع الزرقاء)، فأجمعوا على اقتلاع أشجار تستر كل منها فارساً إذا حملها، ففعلوا ذلك وساروا، فأشرفت الزرقاء كعادتها، فأجابت قومها وقد سألوها (ما ترى) قائلة: (أرى شجراً يسير) فقالوا: (كذبت أو كذبتك عينك) واستهانوا بقولها، فلما أصبحوا، صبحهم القوم، فاكتسحوهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وقيل أخذوا الزرقاء فقلعوا عينيها
وقصة أخرى يشير إليها المستشرق الإنكليزي الشهير نيكلسون في كتابه في سياق البحث عن الحياة العامية في القسم الجنوبي من جزيرة العرب ولقد وردت هذه القصة في قصيدة (أسعد كامل أو أبو كرب) التي أطلق عليها نيكلسون أسم (قصيدة الساحرات الثلاثة) ذلك لما بينها وبين خرافة الساحرات الثلاثة. اللواتي يمثلن ذلك الدور المدهش في رواية مكبث، من تشاكل وتشابه عظيمين،
ومن يدرس ما جاء على لسان هؤلاء الساحرات في رواية مكبث من أقوال دقيقة معقدة ويقابل ذلك بحديث الساحرات في العقيدة العربية يلقي تشابهاً يدعو إلى الإعجاب الشديد، فساحرات مكبث من شأنهن طبخ الأدواثم إن الضبع الذي قدمته الساحرة الوسطى لأسعد هو من مطايا ساحرات أسعد؛ وفي رواية مكبث تشير إحدى الساحرات إلى اتخاذ زوجها النمر مطية تحمله إلى حلب العربية ولا أدري ما الذي حدا بشكسبير إلى ذكر حلب البلدة السورية العربيةء ومزجها واستعمالها في جميع أعمالهن السحرية، وشبيه بذلك ما جاء عن ساحرة أسعد الكبرى
ومن وجهة نظر "باري" فإن الإناث هن أعظم من قام بدور الشرير في الأدب الإنجليزي، وهى الأدوار التى استمدها المؤلفون من شخصية الأم الوحش في قصيدة بيوولف الملحمية.. من بين هذه الشخصيات نذكر:
أدورا من رواية "صافرة إنذار العاصفة" لتوماس نيلسون، وهي امرأة مسنة تأكل لحم الحيوانات نيئة، وتقوم بتدريب "نيم" بطلة الرواية التي اشترتها لتستخدمها كقوة شريرة.
بيلاتريكس يسترانج، من سلسلة هاري بوتر، أكلة لحوم البشر، كما أنها تقوم بتعذيب ضحاياها قبل الفتك بهم، وتتعاقب الأحداث ويصير لها أتباع وموالين.
والممرضة "راتشيد "من رواية "طار أحدهم فوق عش الوقواق لكين كيسي، حيث تتمتع راتشيد الممرضة بإحدى مستشفيات الأمراض النفسية بسلطة هائلة بالمستشفى وتتجاهل اوامر رؤسائها وتمنع الادوية عن المرضى، لتسوء حالتهم ويتم علاجهم بالصدمات الكهربائية.
كما عرضت ويبر العديد من الشخصيات النسائية التي صارت أيقونة في الدراما الإنجليزية فلا يخلو عمل درامي واحد من الشريرات، ففي ملك الخواتم نجد شخصية شيلوب(أنثي العنكبوت) ودورها الذي لا ينسى في وضع العقبات أمام فرودو، وكذلك السيدة كولتر في " سلسلة من خامات الظلام" لفيليب بولمان، التي تسرق الأطفال وتقدمهم قربان لشياطينها لتحصل على المزيد من القوى، والساحرات الشريرات في معظم أعمال شكسبير، كدور الساحرات في مسرحية ماكبث الشهيرة ودورهن في نهاية المسرحية بتولي "بانكو" السلطة وهو أكثر ظلمًا من ماكبث.
ونجد قصص الساحرات الخياليه مثل (هانزل وكريتل وأميرة الثلج الأبيض وسندريلا) مثار اعجاب دائم للقارىء خاصة الأطفال لأنها تمنح القارىء الفرصه كى يتعامل مع صراعاته النفسية التى بداخله من خير وشر. لا شك أن روميلستلسكن وبينوكيو وروبنزال يمثلون الحسد والكسل. ويوضح د. شلون (استاذ علم النفس) أن الأشياء المرزية مثل الحذاء الزجاجى، وزوجات الأباء الشريرات وسحرهن وشعوذتهن تلعب دورا هاما فى حبك تلك الحكايات وبنائهاز وتختلف حكايات الساحرات من ثقافة لأخرى. وقد يرجع سر ظهور الساحرات يمتطين المكنسة اليدوية ويستخدموها فى الطيران الى أن هذه القدرة على الطيران متوارثة عن مكنسات الكهنة في الحضارة السلتية بغرب أوروبا

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق