تيار الوعى عند "غسان كنفانى" و "وليم فوكنر"
فى رواية ( مــاتبقى لــكم) ورواية (الصخـب والعنـف)
بقـــلم د. طــارق رضـــوان ( مصــر)
تيار الوعى أصبح مصطلح أدبى أطلقه أحد علماء النفس "وليم جيمس". ويستخدم هذا المصطلح للدلالة على طريقة تقديم الجوانب الذهنية والشعورية للشخصية. فالتجربة الانسانية هى خليط لا يمكن فصله بين معطيات عقلية (مفاهيم، أحاسيس) ومعطيات روحية (الحدس، البصيرة).
ان الرواية الحديثة هى ابنة مجتمع قد سبقنا فى جميع المجالات، فى حين أن العرب لم يعرفوا هذا الفن الا مع بدايات القرن العشرين تقريبا. وبذلك تكون الرواية الغربية قد سبقتنا بأكثر من 200 عام، وذلك بسبب التطور العلمى والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حيث أن أى شكل أدبى لابد أن يكون منسجما مع امكانات المتلقى دون أن يعنى ذلك الغاء قدرات الكاتب الابداعية التى يتوجب عليه تقديم كل جديد وممتع ومفيد. اثراء التجربة الروائية لا يمكن أن يتم بالتقليد وانما بالاستفادة من الخر، فالمبدع الحقيقى يشغله توصيل ابداعه الى متلقيه أولا ثم الى المتلقى العالمى ثانيا.
تعد رواية غسان كنفانى ( ما تبقى لكم) انجازا كبيرا فى هذا الوقت لأنه استخدم اسلوب تيار الوعى الذى لم يكن شائعا.
وفى كلا الروايتين رواية فوكنر (الصخب والعنف) ورواية كنفانى (ما تبقى لكم) نجد ان موضوعهما واحد وهو انهيار أسرة بأكملها بسبب الحرب وانتصار المعتدين، ففى رواية فوكنر تنهار الأسرةة نتيجة زحف الشمال على الجنوب وانتصاره عليه بعد حرب أهليه جرت بينهما وكذلك فى رواية غسان تنهار الأسرة نتيجة نكبة 1948 واحتلال الصهاينة لفلسطين. فى كلا الروايتين نجد البطلتين قد فقدوا شرفهما وتزوجوا من رجل سىء (نتن)
ولصعوبة اسلوب تيار الوعى كان لابد للكاتب ان يصدر ملحقا للرواية يوضح فيه احداث الرواية وشخصياتها
( ماضيها وحاضرها ومستقبلها) وهذا ما فعله فوكنر وكنفانى.
ويلاحظ أن هناك تكرار بعض الجمل عادة فى مواقف مختلفة. كما يلاحظ ان كلا الروايتين استخدمت لغة شعرية شفافة وهى اللغة التى تناسب لغة الأعماق المضطربة. ونجد لدى كل من (كونتن) و (حامد) ملامح شخصية تكاد تكون واحدة ولديهما ثقافة رفيعة وحساسية مرهفة. ونجد لدى كلا الكاتبين ملامح من السيرة الذاتية، والأزمات التاريخية التى عايشها كلكل منهما ونجد أثر للمهنة التى مارسها كلا منهما فى مرحلة من حياته، غسان جعل حامد مدرسا وفوكنر ظهرت موهبته ككاتب نصوص سينمائية (سيناريو) فى التقنية التى استخدمها فى الفصل الثالث والرابع.
وعند دراسة الروايتين تجد بعض الاختلافات فالعنوان لدى فوكنر مستمد من مقطع مسرحى فى مسرحية مكبث لشكسبير يؤكد على أن الحياة الانسانية تافهة فما هى الا "صخب وعنف" ثم موت فينتحر كونتن وتسقط كادى وتعيش حياة ذليلة كما يخص (بنجى) ويوضع فى مصحه.
ونجد عنوان رواية كنفانى "ما تبقى لكم" قد استمد من الهم الفلسطينى الذى عايشه الكاتب يوما بعد يوم. والعنوان بمثابة جرس للفلسطينين فيحثهم الكاتب قائلا ان بعد ضياع الوطن لم يبقى سوى مواجهة العدو الصهيونى.
قدم فوكنر تيار وعى الشخصيات فى أربع فصول لكل شخصية فصل مستقل (بنجى، كونتن، جاسن، لزى) بينما كنفانى مزج تيار وعى شخصياته كلها فى فصل واحد.
ويلاحظ وجود تفاؤل فى رواية كنفانى وهو تفاؤل المناضل بالانتصار على عدوه الخارجى والداخلى لهذا حافظت مريم على الجنين بينما سادت روح التشاؤم والانكسار عند فوكنر حيث انهارت الأسرة وتحول منزلهم الى نزل وأنتحر كونتن.
الشخصية النسوية لدى فوكنر (كادى) لم نسمع صوتها الخاص بها ( الصوت الداخلى) ولكن عند غسان هناك التمام بين صوت مريم وحامد وكأنهما واحد يشعران بنفس الشىء فى نفس الوقت. ووصف الكاتب معاناة مريم ليتعاطف معها القارىء ولاسم مريم دلالة طهورية لاسم السيدة العذراء. أما كادى فهى فتاة ترغب فى التحرر الجنسى لذلك تنطلق فيه لتصبح عاهرة.
المراجع
1- روبرت همفرى "تيار الوعى فى الرواية الحديثة" ت.د. محمود الربيعى دار المعارف بمصر، ط2،1974
2- غسان كنفانى، المجلد الأول، دار الطليعة، بيرت، ط1، 1972، ص 16

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق