أساطير شكسبير فى مسرحية
King Lear
بقلم د. طــارق رضـــوان
" لقـــد أنقضى أفضل ما فى زماننا وراحت المؤامرات والنفاق والغدر وضروب الشغب الهدام تتعقبنا بضجيجها حتى القبر"
" ان الألهة عادلة فهى تصنع من رذائلنا المحببة الى نفوسنا أدوات تعاقبنا بها"
"انه لحكم عادل : فهذا الجسد ذاته هو الذى أنجب تلك البنات ( الغادرات بأبائهن) كالبجع"
أعتقدت الباحثة (سايكس) أن شكسبير قد أقتبس مسرحيته " الملك لير" التى ألفها عام 1605-1606 من المسرحية القديمة "الوقائع الحقيقية" التى ألفها (بيل) ونشرت عام 1605 ودليلها على ذلك نقاط عديده سأذكرها فى مقالى هذا.
وجدير بالذكر وجهة نظر تولستوى الشاذة حين يقول " ومهما كانت غرابة هذا الرأى فى نظر من يقدسون شكسبير فان هذه المسرحية بأكملها ومن جميع النواحى أسمى بكثير من مسرحية شكسبير التى أقتبسها منها. وذلك أولا لأنها لا تخلو من تلك الشخصيات التى لا لزوم لها على الاطلاق:أعنى الوغد ادموند، جلوستر، وادجار اللذين تعوزهما الحياة، وجميعهم لا وظيفة له سوى تشتيت انتباهنا. ُانيا: لأنها لا تحدث فى نفوسنا ذلك الأثر الباطل الذى يولد منظر الملك لير وهو يجرى هنا وخناك فى الفلاة ومحادثاته مع البعلولٍ، كما أنها لا تشوبها عناصر يستحيل تصورها كالتنكر وعجز بعض الشخصيات على التعرف على البعض الأخر وتراكم القتلى لأنه فى هذه المسرحية توجد شخصية لير البسيطة الطبيعية بما لها من أثر عميق فى النفس، وتوجد أضا شخصية أخرى أكثرتأثيرا فى النفس وهى كورديليا وهاتان الشخصيتان لا نظير لهما فى جميع مسرحيات شكسبير"
ونجد فى المسرحية القديمة "الوقائع الحقيقية" أن المؤلف وفر لشخصياته الرئيسية دوافع طبيعية ملموسة على حين أن شكسبير لم يعطى تفسيرا واضحا لقرارات لير وتصرفاته فى المشهد الأول الذى أختصر فيه شكسبير أحداث كثيرة تم عرضها فى مشاهد عديدة فى "الوقائع الحقيقية". ذلك أن شكسبير اعتبر المشهد الأول كمقدمة لمسرحيته وبالتالى لم يركز على ما اسفر عنه حمق الملك من عواقب تراجيدية.
يحكى عن لير ملك بريطانيا الأسطوري أنه عاش شبابه فارس من أقوى الفرسان وعندما تقدم به السن قرر تقسيم مملكته بين بناته الثلاث (جنريل) و(ريجان) و(كوردليا) ثم طلب من بناته الثلاث أن يعبرن عن حبهن له فقالت له جنريل أنا أحبك متل زبدة البحر وقالت لة ريجان أنا أحبك كعدد البشر ولكن لم تتملق أبنته الثالثة في مدحه كما فعلت الأخوات الكبريات فقالت لة أنا أحبك مثل الأشخاص الذين يحبون والديهم وبعده غضب عليها لير ظنا منه أنها لا تحبه لذلك طردها من مملكته بلا شىء ولكن تزوجها ملك فرنسا .
عالج شكسبير بعض الموضوعات فى مسرحية "الملك لير" وهى نفس الموضوعات التى عالجها فى مسرحية "العين بالعين" فهروب الدوق يمكن مقارنته بتخلى الملك لير عن مسئولياته، والمناظرة التى تدور حول العدالة والسلطة فى مسرحية "العين بالعين" بأكملها تعود للظهور. أيضا فى بعض مشاهد الجنون فى مسرحية "الملك لير".
وتشترك المسرحيتان أيضا فى بعض المعانى والأفكار مثل فكرة أختلاط العقل بالجنون، وفكرة حلاوة الحياة وحب الأنسان لها وغيرها.
وأيضا هناك تشابه بين مسرحيتى "الملك لير" و"تيمون الأثينى" فموضوع العقوق بارز فيهما وفى كلتيهما اعارات عديدة للحيوانات الدنيا، كلتاهما تؤكد ما يتميز به الفقراء من نزوع الى الخير على عكس فساد الأغنياء، بالاضافة الى تشابه المسرحيتان فى نواحى الوزن والعروض وبعض التشابه اللفظى بينهما.
عرض شكسبير هذه الدراما ايمانا منه بان القارىء لابد ان يشعر بخيبة أمل فخلق ماساة متناسقة من ق صة اخلاقية ذات نهاية سعيدة وذات نهاية بائسة دخيلةٍ
لم يكن هذا الموضوع جديداً في الأدب ولا في الشرائع الأرضية والسماوية فكلها تتحدث عن علاقة الآباء بالأبناء، وبعد شكسبير كتب تورغينيف (1818 ـ 1883) رواية بعنوان "الآباء والبنون" وكذلك ميخائيل نعيمة (1889 ـ 1988) كتب مسرحية حملت العنوان ذاته عام 1917 عندما كان في أمريكا.
إنّ موضوع الأخوة الثلاثة أو الأخوات الثلاث معروف في الأساطير والحكايات الشعبية، وعادة تكون الأخت الصغرى هي على حق كما حدث في مأساة "الملك لير".
يموت في هذه المأساة الملك لير وبناته الثلاث، ويقتل إدموند الخبيث، تجري بعض أحداث المأساة في البراري، حيث الوحوش الضارية، فلقد لا نستطيع التفريق بين الإنسان والوحش، فما هو الفرق بين ابنة تطرد أباها في ليلة عاصفة وبين الوحش، وما هو ذنب والدها، وما هو الإثم الذي اقترفه الملك لير؟
إنّ الإثم الوحيد الذي اقترفه الملك لير هو التفريط بحقوقه، وعدم قدرته على معرفة نوايا ابنتيه، وبالتالي فلقد انتقل من حالة القوة إلى حالة الضعف فأصبح لا يملك شيئاً، وفقد عقله.
تجسد المأساة شكلاً من أشكال الفساد، فساد الابنة تجاه أبيها، وبهذا فهي تلتقي مع مأساة "هاملت" حيث يلدغ الأخ أخاه والزوجة زوجها، هنا تلدغ الابنة أباها الطيب، الملك لير شيخ متقدم في السن، يعرف ابنتيه، فتوقع أنّ من يكرم الآخر ملكه، ولكن الآخر هنا تمرد ولسع، ومأساة الملك".. من سذاجته وإفراطه في الطيبة الذي بلغ حد الحماقة، فجر الكوارث على نفسه وعلى غيره" .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق